في أعقاب 11 سبتمبر 2001 عندما أقدم إرهابيون بدافع الحقد والكراهية على قتل ما يقارب 3000 أميركي بريء جاء رد الكونجرس سريعاً وفورياً، حيث مرر بأغلبية ساحقة ''القانون الوطني'' الأميركي، وهو القانون ذاته الذي يتعين على الكونجرس أن يعيد تشريعه قبل انتهاء دورته التشريعية لهذه السنة· وليس السبب خافياً على أحد، إذ مازال تنظيم ''القاعدة'' والجماعات الإرهابية التابعة له يحيكون المؤامرات ليل نهار مستهدفين الأبرياء، و محاولين ضرب اقتصاد الولايات المتحدة، والنيل من الروح المعنوية للشعب الأميركي· وبإلقاء نظرة سريعة على ''القانون الوطني'' الجديد سنكتشف أنه ليس سيئاً على كل حال· فهو من جهة يوفر لمسؤولي تنفيذ القانون الوسائل الضرورية لمكافحة الإرهاب، ويضمن من جهة أخرى حماية الحقوق المدنية التي لا يمكن التفريط فيها· وبدلا من الاستغراق في التصريحات البلاغية، يتعين على أعضاء الكونجرس الانصراف إلى الحقائق التي تحيط بـ''القانون الوطني''·
ما من شك أن ''القانون الوطني'' أثبت نجاحه المحقق في إحباط العديد من الأعمال الإرهابية وذلك من عدة جوانب· فهو أولا قام بتحديث القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجريمة لتواكب التكنولوجيا المتطورة· وقام ثانيا بتشديد العقوبات على مرتكبي الجرائم الإرهابية· وأخيراً وضع ''القانون الوطني'' تحت تصرف المحققين في جرائم الإرهاب نفس الوسائل التي يستعملها نظراؤهم في قضايا تجارة المخدرات والمافيا· والأهم من ذلك كله أن ''القانون الوطني'' ساعد في كسر الحاجز بين المسؤولين عن تنفيذ القانون، وأجهزة الاستخبارات المختلفة، خصوصاً في مجال تبادل المعلومات وتقاسمها· وبعد مرور أربع سنوات من النقاشات المحتدمة والمطولة تمكن الكونجرس من اقتراح مشروع قانون شامل يهدف إلى المصادقة الدائمة على 14 من أصل 16 مادة تشكل مجموع مقتضيات ''القانون الوطني''· وفي حين أصر أعضاء الكونجرس من ''الديمقراطيين'' و''الجمهوريين'' على إثارة مسألة الحقوق المدنية كونها مهمة ولا يمكن تجاوزها، إلا أن مخاوفهم تلك لم تكن مبررة، لا سيما وأنه طيلة الأربع السنوات من حياة القانون لم تسجل أية خروقات للحريات المدنية، كما لم يسجل أي شطط في تنفيذ ''القانون الوطني''· والأكثر من ذلك أن مشروع القانون الجديد المطروح أمام الكونجرس يضيف ثلاثين بنداً لصيانة الحريات الشخصية والمدنية· وفي هذا الإطار يعطي مشروع القانون الحق للأشخاص الذين يستدعون من قبل الأمن القومي أن يحصلوا على محام ويطعنوا في طلب المحكمة· كما ينص مشروع القانون على ضرورة الحصول على إذن مسبق من مسؤول رفيع في وزارة العدل قبل مطالبة المحققين من المحكمة عرض تسجيلات قد تكون حساسة، أو وثائق وملفات شخصية متعلقة بالمتهم· بالإضافة إلى ذلك يشدد مشروع القانون على وجوب تحري عناصر المكتب الفيدرالي أقصى درجات الدقة عند التنصت على الخطوط الهاتفية لأحد المتهمين، بعد إذن المحكمة طبعاً، حتى لا يتم التنصت على آخرين ليست لهم صلة بالتحقيق وانتهاك حقوق الخصوصية الشخصية للأفراد· وسعياً لتضييق الخناق على الإرهابيين وتحصين الأمن الداخلي في أميركا يقضي مشروع ''القانون الوطني'' باستحداث قسم للأمن القومي داخل وزارة العدل يتولى السهر على حماية نظام النقل العمومي والموانئ الأميركية من خطر التعرض لهجمات إرهابية مانحاً السلطات وسائل أفضل لمحاربة الجرائم الإرهابية وإبقائها بعيداً عن ديارنا·
وأعتقد أنه على الكونجرس أن يتحرك بسرعة، وإلا أعاق الجهود الجارية على قدم وساق من أجل مكافحة الإرهاب· فعلى سبيل المثال بات من المعروف حالياً من خلال الوثائق الرسمية بما فيها التقارير التي أعدتها اللجان المكلفة بالتحقيق في أحداث 11 سبتمبر، أن غياب التنسيق وتقاسم المعلومات بين الأجهزة الحكومية المختلفة، ألحق الضرر بقدرتنا على تتبع الإرهابيين والكشف عن خططهم في الوقت المناسب· لذا أصبح من الضروري تمرير ''القانون الوطني'' الذي يعمل على تكسير الحاجز بين الأجهزة الحكومية المختلفة، خصوصاً تلك التي تعمل في مجال الاستخبارات ومسؤولي تنفيذ القانون، حيث غالباً ما يكون التعاون بينهما وتقاسم المعلومات ضرورياً لنجاحهم في تعقب الإرهابيين·
أما بالنسبة لمن يبدون تخوفهم من تسرع الكونجرس في إعادة تشريع ''القانون الوطني''، فإنهم يعجزون عن رؤية التمحيص الذي خضع له القانون من قبل الكونجرس· ففي السنة الجارية لوحدها عقد الكونجرس 23 جلسة استماع انصبت بالأساس على مناقشة مقتضيات وأحكام القانون الجديد، حيث تم الاستماع إلى أكثر من ستين شاهداً· كما تشرفت وزارة العدل خلال تلك الجلسات بتقديم استشارتها عن طريق توفير الخبراء· وقد قمت شخصياً بالإدلاء بشهادتي ثلاث مرات لتوضيح ما جاء في ''القانون الوطني'' وللرد على المشككين وطمأنة الخواطر إزاء التزام القانون بحماية الحريات المدنية، لكن مع صيانة أمننا القومي أيضا· ومن الأحكام التي وردت في القانون وعملت على تفسيرها أمام الكونجرس ما جاء في المادة 2