التعددية العربية··· حلقة مفرغة
انطوت الانتخابات العامة المصرية التي انتهت قبل أيام، على عدد من الدلالات السياسية والاجتماعية التي يتوجب التوقف عندها، وربما إسقاطها، بشكل أو بآخر، على التجارب ''التعددية'' في بلدان عربية أخرى؛ وهذا ما تناوله مقال الدكتور أحمد يوسف أحمد: ''الانتخابات المصرية ومستقبل الإصلاح في الوطن العربي'' (الاتحاد، الثلاثاء 13 ديسمبر الجاري)، حيث لاحظ أن عزوف نحو ثلاثة أرباع الناخبين المصريين عن المشاركة في الاقتراع، هو أمر خطير للغاية ويكشف غياب الثقة لدى المواطن في أي انتخابات تجري تحت إشراف السلطة وأجهزتها! وهنا أوافق الكاتب حين يعتبر أن تلك الظاهرة التي تمس العملية الديمقراطية في العمق، إنما تعود في المقـــام الأول إلـــى ميراث ثقيل ومهيمن من ''الشـــك في جدوى المشاركة'' التي لم تعد في نظر الغالبية الصامتة وسيلة فعالة لإحداث تغيير في تركيبة السلطة الحاكمــــة، كما أن المشكلات المزمنة للكشوف الانتخابية إضافـــة إلى أعمال البلطجــة والعنـــف والقيود الأمنيـــة الواضحـــــة··· كلها عوامــــل تعـــود إلـــى إرادة ''رسمية'' هدفها إضعـــــاف المشاركــة الشعبية وتحجيمهـــا·
وكما يلاحظ الكاتب، فقد لعب سلاح المال دورا أساسيا في ممارسة النفوذ على قطاعات اجتماعية واسعة طحنها الفقر والأمية، إضافة إلى التأثير على عمليات القيد الجماعي، وما صاحبها من تجاوزات واسعة حيث قام مرشحون نافذون باستيراد ناخبين إلى دوائرهم، وضغطوا لاستبعاد ناخبين آخرين·
وهكذا يخيل إلي وأنا أقرأ مقال الدكتور يوسف أنه كُتب من واقع معرفة تفصيلية تامة بتجارب انتخابية عربية أخرى تابعتها شخصيا وخبرتها، فكأن ما يحدث هناك يحدث في مصر أيضا والعكس بالعكس، لهذا كان عنوان المقال دالا أشد الدلالة على ذلك الترابط، من حيث إن انتخابات مصر الأخيرة، وما أثارته من جدل ما يزال متواصلا، تعطي مقياسا دقيقا لمدى جدية باقي التجارب التعددية العربية الأخرى، من حيث هي تحسينات شكلية يراد من ورائها الإبقاء على دورة مفرغة بين الفقر والاستبداد، بين الأمية والفساد، وبين مركزة الحكم في أيدي النخبة وإسكات الجماهير بعناوين وتراخيص حزبية ميتة!
نافع ولد عمر- دبي