منذ شهور طويلة كان معلوما أن حياة جبران تويني مستهدفة، عندما ورد اسمه في قائمة اغتيالات لشخصيات لبنانية، عرضت على لجنة ميليس في بدايات عملها المضني من أجل استخلاص الحقيقة في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري· وفي نهاية أغسطس الماضي انتقل تويني للإقامة في باريس بعدما تلقى تحذيرا واضحا من لجنة ميليس بتوخي الحيطة تجنبا للاغتيال، لكنه شأن كل غيور على وطنه، رفض البقاء لفترة أطول في ''المنفى'' الاختياري وآثر العودة إلى لبنان الذي أحبه دائما، فكانت أيدي الغدر والإجرام في انتظاره·
نفس الأيدي الإجرامية التي حاولت قتل مروان حمادة والملوثة بدماء رفيق الحريري وسمير قصير امتدت إلى جبران تويني، لتقتل فيه سياسيا شريفا وصوتا إعلاميا حرا، خاض معاركه بقلمه ومواقفه المشهودة دفاعا عن وطنه ووحدته واستقلاله واستقراره، دون أن ترهبه سطوة أحد أو يرضخ لتهديدات أو يبيع ضميره لمن يريد أن يدفع· انبرى يدافع عن مصالح لبنان على صفحات ''النهار'' وفي ساحة البرلمان، في وضح النهار وليس في الظلام، دونما خشية من دوي ثلاثة عشر تفجيرا شهدها لبنان منذ اغتيال الحريري في منتصف فبراير الماضي·
حتى بعد التهديدات المؤكدة التي كانت موجهة إلى حياته، لم يتوقف تويني عن النهوض بدوره الوطني ولم يكن شيء سوى الموت ليمنعه من مواصلة العمل على تحقيق رسالته التي أعلنها على الملأ مرارا، فجاءت جريمة اغتياله الوحشية التي اقترفتها أيدي جبناء ضمن مخطط زعزعة أمن واستقرار لبنان ومحاولة تعطيل مسيرته الديمقراطية وترويع أي صوت معارض يرتفع في وجه كل من يريد بالشعب اللبناني شرا، ومن يسعى إلى إشعال نيران الفتنة بين صفوفه وتدمير وحدته الوطنية·
لكن صدمة مقتل تويني لن توهن عزيمة هذا الشعب المناضل، ولن ترهبه، ولن تضعف إصراره الذي لا يلين على تعزيز استقلاله وحماية ديمقراطيته، وكشف الحقيقة- كل الحقيقة- الغائبة في اغتيال الحريري، بل وكشف كل عميل يخدم قوى أجنبية على حساب المصالح اللبنانية العليا، فلا أحد يستطيع استبعاد الربط بين توقيت ارتكاب هذه الجريمة النكراء وتسليم تقرير القاضي الألماني ديتليف ميليس إلى كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة حول مدى ما أحرز من تقدم في التحقيق بشأن اغتيال الحريري·
ومن المؤكد أن أيدي الجبناء الذين يستهدفون مواكب الشرفاء في لبنان لن تتوقف عند هذا الحد، وإنما ستواصل العمل على تخريب الجهود الرامية إلى استعادة عافية لبنان وتدمير مستقبله، لكن من المؤكد أيضا أن الشعب اللبناني وحده قادر على قطع هذه الأيدي ونسف مؤامراتها الإجرامية الدنيئة·