إعلان المحقق الدولي ديتيليف ميليس عن نيته الانسحاب من مهمته يأتي دليلاً على أن التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري لم يصل إلى نتائج قاطعة، وإلا لاستمر ميليس في مهمته، حتى تتوج بالإعلان عن أسماء الضالعين في تلك الجريمة المشينة· ولعل مما زعزع من ثقته فيما ستنتهي إليه عملية التحقيق تراجع الشاهد هسام هسام عن شهادته وتوصل أكثر من طرف معني إلى أن شاهداً آخر هو زهير الصديق، لم يكن يعلم شيئاً وكان مجرد مدع كذاب، ولذا ألقت عليه السلطات الفرنسية القبض، حيث تحتجزه الآن، ويحتمل أن يتعرض للإبعاد أو للمساءلة على تضليله وكذبه على المحققين الدوليين· وما يمكن قوله عن أداء المحقق ميليس للكشف عن جريمة اغتيال الحريري هو أنه أخفق بشكل واضح في إنجاز مهمته، وعندما تبين للعالم أجمع أنه أصبح يتحرك في خضم من الادعاءات والادعاءات المضادة، وأن الضغوط الدولية عليه لم تعد تحتمل، عندها تذكر ميليس أن لديه بيتاً في ألمانيا وأن عليه أن يعود إليه· وبغض النظر عن أي شيء، فإن تجارب المنطقة مع المحققين والمفتشين الدوليين تكتنز بالمرارات، ولن يكون ميليس آخرهم قطعاً، بطبيعة الحال، ولجنة التحقيق الدولية في مجزرة جنين ما زالت في الأذهان، وما انتهت إليه مهمتها بعدما اصطدمت بالـ''لا'' الإسرائيلية، وهذا أمر لا يحتاج إلى تذكير· وقد يكون ميليس واجه ضغوطا دولية أكثر مما يستطيع تحمله ولذا قرر حمل أمتعته، مع الإقرار ضمنيا بالفشل الذريع·
عبد المجيد عاشور - أبوظبي