ما زالت الكتب المتعلقة بالإسلام تصدر تباعا عن المطابع الأوروبية·· فمن يا ترى الذي يقرأ هذه الكتب كلها؟ هل هم المتخصصون؟ حتما لابد أن يقرأها هؤلاء· وماذا عن القراء العاديين؟ ربما يقرؤونها هم أيضا·· ولكن المفارقة في هذا الشأن هي أن الوحيدين الذين لا يقرؤون هذه الكتب هم صناع السياسات في الغرب· والنتيجة الطبيعية لذلك، هي أن صياغة ملامح السجال الوطني في الغرب، وبنود سياسته الخارجية، قد أصبحت تتم بناء على الشعارات، وأنصاف الحقائق، والمعلومات المشوهة، والأكاذيب· فالشيء الذي ينساه صناع السياسات في الغرب دائما، هو أن المعرفة بالإسلام لازالت أمرا ضروريا للغاية، بل إن الحقيقة هي أنها قد غدت ضرورة حتمية في اللحظة الراهنة أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى· هذه هي النقطة التي يؤكد عليها بشكل خاص ''خالد أبو الفضل'' في كتابه الجديد المعنون: ''انتزاع الإسلام من أيدي الأصوليين''· وخالد أبو الفضل يعمل أستاذا للفقه الإسلامي في ''جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس'' ويمثل الوجه الأكاديمي المعبر عن صوت الغالبية العظمى من المعتدلين المسلمين في أميركا· ورغم أن كتابه الذي نقوم بعرضه هنا، يحفل بالتفاصيل، ويتسم بالجفاف الأكاديمي في بعض المواضع، إلا أنه يجيب بوضوح وسلاسة على أسئلة مهمة تحير الغربيين، كما يوجه فيه رسالة للمسلمين المعتدلين بضرورة العمل على استعادة الوجه الحقيقي للإسلام، وإحياء تقاليده الأصيلة القائمة على إعمال العقل والتسامح مع الآخرين· وهو في المقابل، يدعو الغرب في هذا الكتاب إلى النظر إلى الصدع الموجود حاليا في الإسلام بين المعتدلين والأصوليين، على أنه شبيه بذلك الذي حدث في المسيحية ذاتها إبان فترة الإصلاحات الدينية الدامية في العصور الوسطى· ويشرح أبو الفضل في كتابه جذور الأصولية الإسلامية ومنابعها، ويرجعها إلى الحركة الوهابية في القرن الثامن عشر، وإلى المجادلات التي انخرطت فيها تلك الحركة مع التيار الرئيسي للإسلام· ومن بين تلك المجادلات مثلا ما دار حول مقولات محمد بن عبدالوهاب مؤسس الحركة بأن التيارات الصوفية والعقلانية قد قوضت الإسلام، وأنه لا شيء يعيد الإسلام إلى نقائه الأول إلا التطبيق الحرفي لآيات القرآن· وهو يقول إن تلك المبادئ قد تسربت خارج حدود الجزيرة العربية، بفضل الجهود النشطة التي قامت بها بعض الجماعات السلفية لتصدير النسخة الوهابية الراديكالية من الإسلام، وهو ما مكن الأصوليين في نهاية المطاف من اختطاف التاريخ الغني للإسلام، بل والتحكم في الطريقة التي يتم بها النظر حاليا إلى الإسلام· ويرى أبو الفضل أنه على الرغم من أن الإسلام يخوض غمار معركة تحول كبرى بسبب التأثيرات الأصولية، إلا أن المعتدلين المسلمين -إذا ما قاموا بتنظيم صفوفهم وتوحيد حركتهم- سيكونون قادرين على استعادة الإسلام إلى ما كان عليه قبل أن يختطفه الأصوليون· ومن بين التجليات العديدة للأصولية التي يوردها المؤلف في كتابه فكرة ''الجهاد''، وهو يقول إن هناك تفسيرين مختلفين للجهاد في العالم الإسلامي: التفسير الأول هو أن الجهاد صراع يدور بين الإنسان وبين نفسه من أجل التغلب على شهواتها والارتقاء بها· أما التفسير الثاني فهو أن الجهاد يعني النضال حتى الموت ضد ''الكفار والمشركين''· ومن خلال استشهاده بآيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة، يحاول المؤلف إثبات أن التفسير الثاني للجهاد الإسلامي يعتبر ''إساءة تأويل فادحة'' لتلك الآيات والأحاديث، إلا أنه وجد مع ذلك قبولا لدى بعض الفئات التي تريد أن تقوم بصياغة هوية جديدة للإسلام، من خلال تعريف نفسها بأنها تمثل الوجه الحقيقي للإسلام· ورغم أن المؤلف يقول إن التحريف الأصولي لجوهر الإسلام، كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى تلك النظرة المتدنية للمرأة التي يتبناها الكثيرون في العالم الإسلامي على الرغم من أن آيات القرآن وأحاديث الرسول تدعو إلى الرفق بها، إلا أنه لم يفسر لنا السبب في بقاء وضع المرأة في مكانة أقل من المكانة التي تستحقها في العديد من العائلات المعتدلة في الكثير من البلدان الإسلامية؟
ومنها أيضا أنه رغم كون المؤلف يعلي من شأن الاعتدال، الذي يصفه بأنه يمثل الجوهر الصحيح للإسلام، إلا أنه لم يفسر لنا الأسباب التي جعلت عملية سرقة الإسلام تتم بهذه الدرجة من السهولة التي تمت بها دون أن يبدي المعتدلون مقاومة تذكر· لم يقل لنا ما إذا كان ذلك يرجع إلى أن التعصب يهزم الاعتدال دائما··· أما أن معسكر المعتدلين في الإسلام قد أصبح ضعيفا أو حتى سلبيا بدرجة كبيرة وبالتالي غير قادر على المقاومة؟ نعم لم يجب المؤلف على مثل هذه الأسئلة، وإنما لجأ إلى تفسيرات قد لا تقنع البعض··· منها على سبيل المثال أن المملكة العربية السعودية التي توجد بها المقدسات الإسلامية والتي ظهر الإسلام على أرضها، لا تستطيع أن تكون أكثر اعتدالا مما هي عليه بالفعل لأنها مطالبة باعتماد النسخة الأصلية للإسلام بسبب مكانتها لدى المسلمين وهو ما استفاد منه الأصوليون· وإذا ما ا