جعلت أحداث السنوات الأخيرة من الإرهاب موضوعا معقدا ومركبا، بل حساسا أيضا، وهي حساسية تعود في وجه من أوجهها إلى التوصيف الذي يضفي من خلاله الإعلام الغربي هوية دينية باستمرار على هذه الظاهرة، مستخدما عبارات على شاكلة ''الإرهاب الإسلامي'' أو ''المسلمين الإرهابيين''، وهو التوصيف، أو بالأحرى التسطيح، الذي يتجاهل الجذور التاريخية والسياسية والاقتصادية للإرهاب، وجذوره النفسية كذلك! ومن منطلق الإدراك للثغرة الملحوظة في مجمل المعالجات الإعلامية والفكرية التي تتناول موضوع التطرف والعنف السياسي والديني، يأتي كتاب ''الإرهاب·· الظاهرة وأبعادها النفسية''، لمؤلفه الدكتور ماجد موريس إبراهيم، والمكون من خمسة فصول توزعتها خمسمائة صفحة، تتناول تاريخ الإرهاب، والفعل الإرهابي، وشخصية الإرهابي، والآثار النفسية للإرهاب، ومحددات للتعامل مع الإرهاب···
وفي بحثه عن تعريف للإرهاب، يذكر المؤلف أنه إذا كان فعل العنف قديما قدم الإنسان، فإن كلمة إرهاب هي مصطلح حديث نسبيا يرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر الميلادي إبان الثورة الفرنسية الكبرى· وقد تعددت أنواع الإرهاب وتباينت تعريفاته، فهناك الإرهاب السياسي، وإرهاب الدولة، والإرهاب الدولي، وإرهاب العصابات المدني، وإرهاب التطهير العرقي···
وفي التأريخ لظاهرة الإرهاب يذكر المؤلف أن الإنسان هو صانع الإرهاب وضحيته والشاهد عليه والقاضي بين أطرافه والمؤرخ والمحلل لعناصره، لكن ''من المؤسف والمحزن أن تاريخ العنف يتقاطع في عدة نقاط مع مسيرة الأديان قديمها وحديثها''، ويعود تاريخ العنف المتستر بالدين إلى ما قبل الميلاد، وقد ظل يلبس ''عباءة كل من اليهودية والمسيحية والإسلام''· فتاريخ اليهود شاهد على ما اقترفوه من مذابح ضد الفلسطينيين وباقي الشعوب التي كانت تسكن أرض فلسطين، كما شهد تاريخ المسيحيين حلقات من العنف الدموي سواء في إطار الحروب الصليبية أو في سياق إرهاب المبدعين والعلماء في القرون الوسطى، وبالقدر نفسه تقريبا عرف تاريخ المسلمين سلسلة من الصراعات الدموية بين الفرق والنحل وارتكبت المحرمات تحت راية الدين· ومن الروافد الحديثة للإرهاب علاقته بالثورة الفرنسية وارتباطه بمفهوم الفوضوية والعدمية، وأصوله التي تمتد إلى الثورة البلشفية في روسيا، فضلا عما حدث خلال الحرب العالمية الثانية· هذا إضافة إلى مشاهد الإرهاب التي غطت مناطق واسعة من عالمنا المعاصر؛ مثل جنوب أفريقيا خلال عهد النظام العنصري، وموزمبيق التي عاثت فيها عصابات رينامو فسادا، وفي كل من جواتيمالا والسلفادور والبرازيل في أميركا الجنوبية، وفي تركيا وأيرلندا، وفي العالم العربي كانت الجزائر ومصر نموذجا للدول المنكوبة بالإرهاب، وفي فلسطين ما زال إرهاب الدولة الإسرائيلي يواصل ممارساته الاستئصالية المدمرة·
وفي معرض الإجابة على السؤال: لماذا ينتشر الإرهاب في عالم اليوم؟ يخلص الكتاب إلى أن الفقر وانتهاك حقوق الإنسان وتطور الجريمة وأزمة الديمقراطية وفشل التحول الصناعي وتسلح الجماعات الإرهابية إضافة إلى توسع شبكة الانترنت··· كلها عوامل أسهمت في انتشار ظاهرة الإرهاب وضاعفت من تأثيرها·
ويحاول الكتاب إلقاء الضوء على الاستراتيجيات النفسية للإرهاب، موضحا أنه سلاح الضعيف الذي لا يستطيع مواجهة خصمه مباشرة وجها لوجه، فيبقى الهدف الأساسي للإرهاب تأثيراته المعنوية والنفسية· ومع أن بعض الجماعات الإرهابية حققت قدرا عاليا من التنظيم وتضم بين أفرادها كفاءات عالية، وحصلت على قدرات تسليحية معتبرة، لكن بالرغم من كل ذلك يندر أن تستطيع أية جماعة إرهابية تحقيق هدفها بطريقة مباشرة· وهكذا فالفعل الإرهابي هو مركب نفسي أهم عناصره الكراهية والغضب والتعصب والعدوان، ومن هنا يأتي عجزه وعقمه، ودمويته أيضا·
ويغوص الكتاب في أعماق التكوين النفسي للإرهابي راسما ملامح شخصيته في محاور أهمها؛ محور الدونية حيث تعد النظرة المتدنية للنفس سببا أساسيا للعنف، ومحور عشق القوة التي تحتل موقعا متميزا في البناء النفسي للإرهابي، ومحور التعطش للدماء أي روح القتل التي تلبست دراكيولا فبرع في إراقة الدماء وأصبحت هوايته الأولى، إضافة إلى محور المرض العقلي المرتبط بعلاقة وثيقة مع السلوك العدواني، وأخيرا محور الميل إلى الانتحار وهو حجر الزاوية في شخصية ''الإرهابي الانتحاري'' كموقف سلبي من الحياة وإيجابي من الموت·
ويرى المؤلف أن الأفراد المنتمين إلى الجماعات الإرهابية تنطبق عليهم أربعة أنماط للاضطرابات الشخصية، وهي اضطراب الشخصية ضد الاجتماعي، اضطراب الشخصية الهذائي، واضطراب الشخصية الحدي، وأخيرا اضطراب الشخصية شبه الفصامي· وفيما يتعلق بالآثار النفسية للإرهاب، يوضح أخيرا أن تأثير الفعل الإرهابي على كل من المجتمع والفرد يأخذ طابعا متداخلا، إذ تتعدد اتجاهات التفاعل بين تأثيرات مباشرة وأخرى ضمنية تنعكس على نفسية الفرد وعلى المناخ النفسي والسلوكي العام في المجتمع·
وعلى أهمية الكتاب من حيث هو محاولة تحليلية لفه