شبحان مخيفان يقفان عقبة كؤودا بين العالم الإسلامي والحداثة، التطرف والتخلف· والاثنان يتغذيان على بعضهما البعض، وكلاهما من نسل الآخر وامتداد له·
ولعبت الظاهرتان دورا كبيرا فيما صار يشبه القطيعة بين العالم الإسلامي وباقي دول العالم، وبسببهما صار كل ما ينتمي بصلة للاسلام موضع شبهة وريبة عند البعض أو سوء فهم في أحسن الاحوال· فغرق العالم في موجة كراهية وضغينة وسوء فهم والتباس ألقت بظلالها على الجميع من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب·
في مواجهة هذه الأجواء كان لا بد على الدول الاسلامية والعقلاء من أبناء الأمة بذل جهد كبير من أجل مواجهة الأمر وتصحيح الأخطاء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه·
وفي هذا السياق تأتي القمة الاسلامية التي شارك فيها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله·
لقد سعت الدول الإسلامية في القمة حسبما يبدو الى محاولة رأب الصدع والتواصل بين المجتمعات الانسانية عامة لنسف فكرة صراع الحضارات وإحلال قدر من الحوار والتفاهم والمساواة· لأن الترويج للمفاهيم المضادة يزيد النار اشتعالا ويزرع المزيد من الألغام بين مختلف الأطراف ويرسخ أجواء التباس تسودها الظنون والشكوك والريبة·
وهذه كلها تربة صالحة للإرهاب والتطرف اللذين شددت أعمال القمة على ضرورة مكافحتهما مع التشدد المذهبي·
وكما أن الحوار بين العالم الإسلامي والغرب مهم وضروري لتصحيح المفاهيم والافكار فإن الحوار داخل العالم الإسلامي ذاته على القدر نفسه من الأهمية، خاصة في تلك المرحلة التي علت فيها للأسف فجأة النبرة المذهبية والطائفية في بعض بلدان العالم الاسلامي·
القمة تطرقت الى ذلك أيضا حسبما تشير أوراق العمل لأن الحوار مع الداخل والخارج لا يمكن تجزئته أبدا كما أنه الاهتمام بواحد وتجاهل الآخر· فكل منهما يكمل الثاني·
لقد جاءت القمة الإسلامية في مكة في وقتها تماما، فالعالم الإسلامي أحوج ما يكون إلى وقفة عاقلة وهادئة ورزينة من أجل تدارك الموقف ولم الشمل ووضع النقاط على الحروف· فترك الساحة للمتاجرين باسم الدين لا يعني سوى المزيد من الخسائر والإضرار للعالم الإسلامي الذي يرى البعض انه ضحية لأعدائه وبعض أبنائه·
إذاً مبادرة قادة الدول الاسلامية في هذا الشأن ووسط تلك الظروف والاوضاع مهمة وطيبة وضرورية لأنها تفتح باب الأمل في إمكانية وقف نزيف السمعة والدم الذي تعاني منه الأمة الاسلامية منذ سنوات بدون تحركات جدية أو فعالة تعيد الأمور إلى نصابها·