التطورات الأخيرة التي حدثت في ساحات المواجهة في العراق بالغة الدلالة في الحقيقة، ذلك لأن قيام الجيش الأميركي نفسه بإعلان أنه قد فقد 10 جنود وأن 11 غيرهم قد أصيبوا، يعني أن عناصر التمرد لا تزال قوية· كما أن ذلك يلقي بظلال من الشك في الحقيقة حول النتائج التي تحققها العمليات المشتركة التي تشنها القوات الأميركية مع القوات العراقية داخل المحافظات الواقعة غرب العراق· هذه العمليات، وإنْ كانت توجه ضربات عنيفة لعناصر التمرد، إلا أنها تؤدي في الوقت ذاته إلى ترويع السكان المدنيين وإلى إخراجهم عن ديارهم·
ففي شريط تلفزيوني تم بثه بالأمس شهدنا شوارع خالية في مدينة الرمادي تسيطر عليها عناصر التمرد، بل إننا قد شاهدنا أحد هؤلاء العناصر وهو يجلس مسترخيا على أحد الكراسي وكأنه لا يخشى شيئا، وهو ما يتناقض مع ما نسمعه من ادعاءات من وقت لآخر عن أنه قد تم تطهير مدن عراقية من الإرهابيين، وأن الأوضاع في تلك المدن قد غدت تحت السيطرة·
وفي الحقيقة أن التركيز على سياسة القبضة الحديدية التي تتبعها الولايات المتحدة في الوقت الراهن يتناقض مع ما قرأناه في الكثير من المقالات التي قام بتدبيجها كتاب ومسؤولون أميركيون ومفادها أن القضاء على التمرد لا يمكن أن يتم من خلال القوة وحدها، وأن الأمر يتطلب سياسات أخرى مثل تجنب استخدام العنف المبالغ فيه ضد قطاعات بعينها من المجتمع العراقي، وتجنب مظاهر الإذلال وإهدار الآدمية التي نشاهدها في العمليات التي تقوم بها تلك القوات، والتي نرى خلالها نساء يصرخن وأطفالا يبكون في فزع أمام كاميرات الإعلام في مظهر لابد أن يثير السخط الشديد ضد القوات الأميركية التي ستجد نفسها في تلك الحالة ماضية في دائرة مفرغة لا تستطيع الخروج منها·
ناصر سعدون- كوبنهاجن