محطة أخرى في سلسلة الفضائح الأميركية الكثيرة جاءت لتكشف مدى احتقار الولايات المتحدة للإعلام ودوره التنويري في أي مجتمع ديمقراطي· فقد طفت إلى السطح قضية تسريب مقالات تدبجها ''البنتاجون'' وتنفث فيها دعايتها بأن العراق أصبح جنة يرفل في خيراتها الشعب العراقي، في الوقت الذي يشير فيه الواقع إلى وجود أزمة مستفحلة يساهم فيها الاحتلال ببقاء قواته جاثمة على صدور العراقيين مؤججاً المزيد من العنف والدمار· أميركا التي تدافع عن حرية الصحافة، وتهاجم قناة ''الجزيرة'' التي تتهمها بتغطية متحيزة للحرب في العراق، تقوم بدورها بدفع المال لبعض الصحف العراقية من أجل نشر مقالات الغرض منها تضليل الرأي العام العراقي والعالمي·
إنه زمن انقلبت فيه المعايير وأصبح الاحتلال تحريراً· إنني أشفق كثيرا على بعض المثقفين الذين يحاولون تبرير سياسات أميركا في العراق وغيره· فها هي فضائح أميركا المتكررة تكشف ازدواجية المعايير والطرق الميكافيلية التي تلجأ إليها في انتهاج أية وسائل من أجل تحقيق أهدافها دون أي اعتبار للمبادئ التي تريد أن تلقنها للعالم·
تأتي هذه الفضيحة، وهي لن تكون الأخيرة في وقت تشدد فيه الولايات المتحدة على حرية الصحافة كجزء أساسي من عملية الإصلاح السياسي المندرج بدوره في إطار مشروع ''الشرق الأوسط الكبير'' الذي تروج له في المنطقة· لكنها لا تتردد في تكميم الأفواه من خلال ما أثير حول قصف مكاتب قناة ''الجزيرة'' من جهة، وشراء ذمم بعض الصحف العراقية من جهة أخرى التي ارتضت أن تكون بوقاً يعكس دون خجل الدعاية الأميركية في انتهاك واضح لأخلاقيات العمل الصحفي·
يونس فايز- دبي