مع إسدال الستار على موسم الأعاصير لهذا العام، سرت موجة عامة من الارتياح والاطمئنان، وتنفس الناس الصعداء· يذكر أن العام الماضي، كان عاماً قياسياً في انتشار تأثير الأعاصير على كل شيء في حياة الأميركيين، ابتداءً من البيوت والمدن التي أغرقتها المياه وسوتها الأعاصير بالأرض تماماً، وصولاً إلى الارتفاع الحاد في أسعار البنزين والوقود في محطات التزود بالطاقة· أما الخسائر المادية المترتبة على إعصار ''كاترينا'' وحده، فتقدر بما يتراوح بين 70-135 مليار دولار· وعلى حد تصريح الأدميرال كونراد لوتنباشر، رئيس ''الإدارة القومية لأبحاث المحيطات والغلاف الجوي'' فقد شهد العام الماضي، الأعاصير الأعنف والأكثر دماراً في تاريخ أميركا الحديث، ولذا فإنه مما يدعو للسرور أن يصل هذا الموسم الكارثي إلى نهايته أخيراً· جاء ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الثلاثاء الماضي، الموافق 29 نوفمبر المنصرم·
ولكن بين ما يدعو إلى السرور أيضاً، عودة الأرصدة والميزانيات والاستثمارات الأميركية في مجال البحوث الخاصة بالأرصاد والتنبؤات بالأعاصير· ذلك هو ما صرح به السيد ريتشارد أنسيث، رئيس ''جامعة كوروبوريشن للأبحاث الجوية''، التي تتولى إدارة ''المركز القومي للأبحاث الجوية'' بمدينة بولدر في ولاية كلورادو· ويقول ريتشارد أنسيث، إن التنبؤ المستمر والمنتظم بوقوع الأعاصير، لا يحدث بمحض الصدفة ولا يتأتى نتيجة لحسن الطالع، طالما أن قدرة البشر على الدمج ما بين القياسات الميدانية التي تجرى على الأرض، وتلك القياسات التي تؤخذ بواسطة الأقمار الاصطناعية، إضافة إلى عمليات النمذجة المتطورة التي تتم باستخدام أجهزة الحاسوب، هي نتاج سنوات وسنوات من العمل الشاق والمضني المستمر· وقد أحدث هذا العمل وتلك الجهود فارقاً كبيراً في واقع الحال، بالنظر إلى مساهمته في إنقاذ حياة الآلاف من الناس· إلى ذلك قال السيد لوتنباشر ما يؤيد هذه الجملة الأخيرة، بتعليقه حول مدى الدقة التي اتسمت بها التنبؤات التي أجريت هذا العام·
إلى ذلك لاحظ كل من ويليام جراي وفيليب جي· كلوتزباخ، أستاذي العلوم الجوية بجامعة كلورادو، أن مواسم الأعاصير التي شهدها العامان 2004 و2005 اتسمت بكونها نشطة ومدمرة إلى حد بعيد· وقد بنى الباحثان ملاحظاتهما هذه على أرصادهما ومراقبتهما الجوية الخاصة، خلال العامين المذكورين· ومن رأيهما أن عاملاً مهماً من عوامل نشاط ودمار الأعصاير المذكورة، يقع على مسافة بعيدة جداً من المواقع التي شهدت تلك الأعصاير، سواء التي شهدتها أميركا أم أنحاء أخرى من العالم· وعلى حد تعبيرهم فقد أدى دفء سطح المياه في المنطقة المدارية الوسطى الواقعة في المحيط الهادي، إلى هبوب أنماط منتظمة من الرياح فوق حوض المحيط الأطلسي، مما أدى بدوره إلى زيادة سرعة الرياح المتجهة غرباً· والنتيجة هي بالطبع، مساهمة تلك الرياح بنسبة 54 في المئة من الأعاصير الكبرى التي ضربت المنطقة المذكورة خلال العامين المحددين، مقارنة بنسبة 9 في المئة فحسب من متوسط الأعاصير التي شهدها عاما 1995 و·2003
ولما كان سكان تلك المناطق قد أرهقوا وسئموا من تعاقب وتواتر الأعاصير القوية التي ضربت مناطقهم وأغرقتها ودمرتها خلال العامين الماضيين، فإن من الطبيعي أن يقلقوا ويتساءلوا عما سيكون عليه الحال خلال الأعوام المقبلة· ذلك هو ما قاله الدكتور كاري إمانويل، العالم والباحث في مجال العلوم الجوية بـ''معهد ماساشوستس للتكنولوجيا'' والمختص بدراسة الطقس والمناخ في المناطق المدارية· ويلاحظ إمانويل أن الباحثين في المجال- لا سيما المختصين منهم في دراسة الأعاصير المدارية- قد عكفوا على دراسة قوة وكثافة الأعاصير التي حدثت مؤخراً، إلى جانب مقارنتها بالأنماط المتوقعة مستقبلاً· من ذلك مثلاً فإن من رأي ويليام جراي أن الأعاصير التي يشهدها حوض المحيط الأطلسي، عادة ما تكون أقوى وأكثر تواتراً لعدد من العقود، ثم تقل قوتها وتكرار حدوثها لعقود أخرى·
وإن صح هذا الاعتقاد، فإنه يتفق وما يقوله كثير من الباحثين والعلماء، عن أن مثل هذه التغيرات المناخية الإعصارية، تعد طبيعية بالنسبة لدرجة حرارة الأعاصير التي تهب فوق سطح المحيط الأطلسي عادة· ومع ذلك فقد أصدر الدكتور إمانويل وفريق بحثي تابع له من ''معهد جورجيا للتكنولوجيا''، دراسات مستقلة، في شهري أغسطس وسبتمبر من العام الجاري، رصدت ارتفاعاً عالمياً ملحوظاً في قوة الأعاصير المدارية التي شهدها العالم خلال الثلاثين عاماً الماضية· كما جاء في ملاحظتهم أن ازدياد قوة الأعاصير هذه، قد تزامن مع ارتفاع مواز في معدلات درجات حرارة سطح المياه المدارية، علماً بأن باحثين وعلماء كثيرين، ربطوا بين هذه الظاهرة والإحماء الشامل الذي تشهده درجات حرارة الأرض·
غير أن واحداً من أكبر التحديات التي تواجه كل من يحاول التصدي لهذه القضية العلمية، شح وندرة القياسات الإعصارية الدقيقة، التي يمكن الاعتماد عليها في هذا المجال، قبل العام ·1950 ذلك أنه يتعين على الباحثين