لقد كان الهدف من انتخاب برلمان إيراني محافظ في أبريل من العام الماضي، متبوعاً بانتخاب رئيس محافظ متشدد للبلاد في يونيو من العام الجاري، هو توطيد سلطة القوى المعادية للإصلاح، وإسدال الستار على أية تطلعات وآمال تطمح إلى أن تدشن إيران مرحلة جديدة من الإصلاحات والوسطية القيادية، المفضية إلى تحسين علاقاتها بالغرب، سيما مع الولايات المتحدة الأميركية، في المدى المنظور· غير أن مناطحات أحمدي نجاد وسلوكه المتشدد منذ توليه منصبه الرئاسي، بدا معيقاً للمصالح الإيرانية، مما أثار نوعاً من العراك والحراك السياسي حول السلطة في طهران، في محاولة للجم جماح تشدد الرئيس· وانهالت التحديات عليه من قبل البرلمان والقائد الأعلى آية الله خامنئي معا، إلى جانب عدد آخر من الشخصيات السياسية الراسخة، كالرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي يعتقد أن في مواقف وتصريحات أحمدي نجاد، ما يشير إلى ارتداد إلى بواكير عهد الثورة الإيرانية في أيام آية الله الخميني وما أدى إليه من عزلة دولية حول إيران فصلتها عن بقية العالم·
وكثيراً ما ردد أحمدي نجاد أوهامه القائلة إن في وسع القارة الآسيوية -لا سيما روسيا والصين والهند- منح إيران أكثر مما يستطيعه الغرب، في مجال علاقات الصداقة والتعاون الاقتصادي وغيرهما· ولذلك السبب فقد قلل الرئيس من أهمية تحسين وتطوير العلاقات ذاتها مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية· لكن وبترديده مثل هذه القناعات، إنما يؤكد نجاد جهله الشخصي للكيفية التي يعمل بها الاقتصاد العالمي اليوم، وكذلك جهله باستحالة تلبية حاجات الاقتصاد الإيراني، اعتماداً على آسيا وحدها، خاصة إذا ما اعترضت كل من أوروبا وأميركا، بل وناهضتا الفرص الاستثمارية التي يمكن أن تمنح للصين والهند وروسيا· وعليه فإنه يمكن القول إن إيران دولة متشددة غنية بالنفط ومصادر الطاقة، يعجز قادتها عن تكييف اقتصاد بلادهم على النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وعلى قيم العولمة والتجارة الحرة· وعلى سبيل المقارنة فقد كان هذا حال ألبانيا في أيام الحرب الباردة وكوريا الشمالية اليوم، إذ عزلت كلتاهما نفسها عن العالم الخارجي، وآثرتا الاعتماد على مواردهما المحلية الشحيحة التي لم تكف لسد حاجاتهما بالطبع·
وأمام أحمدي نجاد الآن خياران، إما أن يكيف نفسه على معطيات وحقائق العالم الحديث، وإما أن يصبح عقبة كأداء، لن يتوانى زملاؤه في إزاحتها من الطريق حينها· وما فشله في الحصول على موافقة البرلمان على أي من المرشحين الثلاثة الذين قدمهم لتولي حقيبة وزارة الطاقة، سوى أول اختبار عملي لطبيعة وحجم المشكلة التي يواجهها في بلاده· وإن كانت قد فشلت ترشيحاته الثلاثة لتولي أهم منصب وزاري في البلاد، حيث جاء الاعتراض من قبل الكتلة المحافظة الأكبر في البرلمان، إلى جانب الأقلية البرلمانية الإصلاحية، فإن ذلك يعني أن هناك الكثير من فنون القيادة والحكم، مما لا يزال على أحمدي نجاد تعلمه، إن أراد الاستمرار في منصبه الرئاسي·
والحقيقة أن الجهود الحالية التي يبذلها المحافظون البراجماتيون، في سبيل لجم أحمدي نجاد وترويضه سياسياً، إنما تعكس ما يتخطى مجرد الصراع السياسي حول السلطة في طهران، إلى ما يشير إلى صراع بين الجيل الأول من قيادات الثورة الإسلامية والمتشددين، وممثلي الجيل الحديث من المحافظين، علماً بأن هذا الجيل الأخير، هو الذي خاض حرب الثماني سنوات الدموية مع العراق، بمن فيه شخصيات بارزة في الحرس الجمهوري الثوري· والملاحظ أن هذه الأزمة السياسية الداخلية، قد تزامنت مع لحظة دقيقة وحرجة من المفاوضات بين طهران وكل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاتحاد الأوروبي، حول أزمة البرنامج النووي الإيراني· فهل يريد أحمدي نجاد استقطاب المزيد من المعارضة الأوروبية الأميركية لبلاده ولبرامجها النووية، أم يقبل بالعرض الروسي الخاص بتخصيب اليورانيوم لصالح إيران؟