ربما لم تعرف الإنسانية على مر تاريخها خطرا شاملا وساحقا، وأظهرت أمامه عجزا غير مسبوق، كذلك الذي يمثله فيروس فقدان المناعة البشرية (الإيدز)، خاصة أن رقعة انتشاره تزداد اتساعا ويرتفع عدد المصابين به مع كل يوم تطلع شمسه، بينما تخيب الآمال بعد إعلان من هذه الجهة أو تلك عن التوصل إلى اكتشاف دواء فعال لعلاج هذا الوباء الفتاك!
وحسب أرقام حديثة نشرتها منظمة الصحة العالمية، فإن ضحايا الإيدز خلال العام الماضي بلغ عددهم نحو 4 ملايين شخص، بينما تجاوز عدد الضحايا هذا الرقم خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من العام الجاري، مما قد يعني زيادة تفوق 40% مع نهاية العام·
وإلى جانب الميزانيات الضخمة التي تم إنفاقها على مشاريع إنتاج الأدوية المضادة للإيدز، دون جدوى من ذلك حتى الآن، فإن الخسائر الاقتصادية التي تكبدها العالم من جراء ذلك المرض، تتجاوز تريليون دولار أميركي منذ عام ،2000 وقدرت خسائر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 200 مليار دولار، مما يشير إلى حجم الخطر الذي أصبح يمثله الإيدز على حاضر ومستقبل الحضارة الإنسانية برمتها·
وكسائر أحوال الحياة العالمية الراهنة وظواهرها، لم يخل الجدل حول الإيدز أيضا من ظلال سياسية ثقيلة منشؤها التفاوت الحاد بين عالم الشمال المتقدم وعالم الجنوب النامي، حتى قيل إن الفيروس في منشئه هو صناعة لأحد أجهزة الاستخبارات الغربية الشهيرة، وأن بعض الشركات الدواء توصلت منذ عدة أعوام إلى إنتاج مصل مضاد للفيروس، لكن لاعتبارات ربحية، وأخرى أيديولوجية تتعلق بمعادلات التوازن السكاني بين القارات، لم تشأ هذه الشركات إنتاج وتوزيع ذلك المصل الذي تقرر ألا يعلن عنه في حينه على الأقل!
وإذا لم تكن حقيقة الأمر هي كذلك، فإن من الحقائق التي لا مشاحة فيها أن ثلاث قارات تمثل عالم الجنوب؛ هي أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، باتت الآن قارات منكوبة على نحو مأساوي بهذا الفيروس، مما عطل حركية اقتصاداتها الهشة، وضاعف الأعباء على ميزانياتها الضعيفة أصلا!
فهل من هبة عالمية كبرى لمواجهة وباء لم تلجمه كل الشعارات التي أطلقتها المنظمات الدولية منذ 20 عاما وحتى الآن؟!
نازلين كرم- أبوظبي