يقول العلماء إنهم قد تمكنوا في الآونة الأخيرة من رصد انخفاض كبير في تيارات المحيط الأطلسي التي تحمل المياه الدافئة إلى شمال أوروبا، وإنهم يرون أنه إذا ما استمر هذا الانخفاض بوتيرته الحالية، فإن حرارة الجو في هذه المناطق الشمالية ستنخفض بدرجة كبيرة خلال العقود المقبلة·
ومـــــن المعــــروف أن التيارات المحيطيــــة تعمـــل مثل ''الســيور المتحركة''
Conveyor Belts حيث تقوم بنقل الحرارة والمياه السطحية نحو القطبين الجنوبي والشمالي كما تقوم أيضاً بنقل المياه الباردة العميقة نحو خط الاستواء·
وفي المحيط الأطلسي، فإن هذه المياه السطحية الحارة تندفع باتجاه الشمال متخلصة تدريجياً من حرارتها من خلال إطلاقها في الجو مما يجعلها أبرد وأكثر كثافة· وعند قيامها بذلك، فإن المياه تهبط للأسفل وتتدفق جنوباً في أعماق المحيط·
ويقول ''روث كاري'' المتخصص في البحوث الفيزيائية البحرية في معهد ''وودذ هول'' البحري في '' كيب رود'' بولاية ماساشوستس الأميركية:''إن الدورة المائية في المحيط الأطلسي تقوم بنقل الحرارة نحو الدائرة القطبية الشمالية، وهذا يساعد على تلطيف درجات الحرارة في الشتاء، وخصوصاً في خطوط العرض العليا الواقعة في نصف الكرة الشمالي''·
ويرى ''كاري'' أن الكميات المتزايدة من المياه العذبة التي تصب في شمال المحيط الأطلسي، يمكن أن تغير كثافة المياه العذبة ويمكن بعد فترة من الوقت أن تؤثر على تدفق التيارات المائية في شمال الأطلسي (ومن المعروف أن ظاهرة الإحماء الحراري قد عززت من ذوبان الثلوج ومن سقوط الأمطار كما أثبتت البحوث العديدة التي أجريت حول هذا الموضوع)· أما كميات الماء الإضافية اللازمة لتغيير نظام دوران المياه في المحيط الأطلسي، فلا تزال غير معروفة بالنسبة لخبراء علم المناخ·
ويعلق بعض خبراء علم المناخ على ذلك بالقول إن المفارقة هنا تكمن في أن التبريد المحتمل لأوروبا يتزامن مع ظاهرة الإحماء الحراري· وهناك أيضا العديد من الخبراء الذين قالوا إنه لازال من السابق لأوانه استنتاج أن البيانات الجديدة التي سيتم نشر تفاصيلها قريباً في أحد أعداد مجلة ''نيتشر'' تعني أن هناك تغييراً جديداً يحدث في الوقت الراهن·
وتلك التغيرات في الحقيقة تعتبر جزءاً من نظام محيطي يقوم بتوزيع الحرارة الاستوائية نحو القطبين، ويجعل شمال أوروبا أكثر دفئاً بكثير مما يجب أن تكون عليه إذا ما أخذنا موقعها على خطوط العرض وبعدها عن خط الاستواء في الحسبان·
ويمكن للإحماء الحراري أن يؤدي من الناحية النظرية إلى تعطيل حركة التيارات المائية المالحة، والحارة بفعل أشعة الشمس، والمتدفقة شمالاً، وذلك من خلال سماحها للمياه العذبة بالتجمع في البحار الواقعة في خطوط العرض العليا وذلك عند ذوبان الثلوج وتساقط الأمطار في تلك البحار·
وهؤلاء العلماء وهم من العالمين في ''المركز البحري الوطني'' في بريطانيا Oceanography Center National قاموا بقياس درجة حرارة الماء والتيارات عبر الأطلسي على امتداد المنطقة الواقعة ما بين جزر الباهاما وأفريقيا العام الماضي، وتبين لهم من خلال ذلك القياس أن هناك هبوطاً في مستوى تدفق المياه التي تتزايد حرارتها بشكل مطرد منذ المرة الأخيرة التي تم فيها إجراء مثل هذه القياسات منذ خمسة عقود تقريباً وتحديداً في عام 1975؟
أعضاء هذا الفريق بقيادة ''هاري إل· برايدن'' رأوا أنه على الرغم من حقيقة أن الفريق لديه بيانات وإحصائيات تم الحصول عليها منذ خمس سنوات فقط (ليس لها علاقة بتلك التي تم إجراؤها عام 1975)، فإن النمط الذي يتم به التغيير، والذي تم رصده على عدة مستويات لعمق المياه، يدعم فكرة أن ذلك التحول كان يمثل اتجاهـــــاً دالاً في حد ذاته ولم يكن مجـــــرد متغير من المتغيرات العشــوائية كما تذهب إلى ذلك بعض الآراء·
واستشهد هؤلاء العلماء بقياسات مستقلة خاصة تم إجراؤها وتتعلق بحدوث تناقص طويل الأمد في معدلات تدفق الماء بين بحار الدائرة القطبية الجنوبية والشمالية وبين المحيط الأطلسي الشمالي، باعتبارها دليلاً عملياً على أن عملية الإبطاء العامة في الدورة المائية بالمحيط الأطلسي لازالت مستمرة في الوقت الراهن·
وفي تعليق على هذا الموضوع قال العالم ''ديتليف كوادفاسل'' من جامعة هامبورج والذي لم يكن مشتركاً في الدراسة البريطانية، إن تلك القياسات قد وفرت دعماً مزعجاً في الحقيقة لما توصلت إليه النماذج الحاسوبية التي تنبأت بحدوث مثل هذا التأثير في عالم يزداد حرارة باستمرار بسبب الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري· بيد أن هناك بعض العلماء كان أكثر حذراً من ذلك ولم يقفز إلى استنتاجات متسرعة حول هذا الموضوع· فالدكتور ''جيفن آيه شميدت'' على سبيل المثال، والمتخصص في إعداد النماذج الحاسوبية المتعلقة بالمناخ في معهد''جودار'' للدراسات الفضائية التابع للإدارة الوطنية للفضاء وعلوم الطيران يقول: ''إن الانخفاض المقدر في الدورة المائية المحيطية يفترض أن ينتج عنه انخفاض ملحوظ