تحتفل الدولة هذه الأيام بذكرى كريمة على قلوب الناس جميعاً، ألا وهي ذكرى العيد الوطني للدولة، حيث تحولت المنطقة من كيانات صغيرة إلى دولة لها مكانها المرموق في العالم، وبهذه المناسبة فإنني أهنئ العالم بهذه الذكرى المباركة، وأزف باقة من الثناء لكل من أسهم في تحقيق هذا الحلم المبارك و تحويله من رؤية مرسومة في عقول العظماء إلى واقع يعيشه الناس اليوم· سيكتب غيري عن الإنجازات المختلفة للاتحاد، لكنني وبحكم التخصص سأخط كلمات تربوية، تلخص التاريخ المعاصر وتستشرف المستقبل·
لقد كان التعليم في دولة الإمارات قبل الاتحاد قصة رائعة لمجهود الناس، وحرصهم على العلم والتعلم، ولكن البداية الحقيقية للتربية والتعلم إنما كانت مع قيام الدولة وهذا ما يُؤكده تاريخ التعلم في الدولة، فبعد حقبة المطاوعة جاء التعليم شبه النظامي ويكتب لنا التاريخ ما يلي:
افتتحت مدرسة التيمية المحمودية 1907 في الشارقة ثم المدرسة الأحمدية عام 1912 في دبي· أما في أبوظبي، فجاءت مدرسة ابن عتيبة عام ·1930 وفي إمارة عجمان افتتحت مدرسة الفتح عام ·1937 وفي بداية الثلاثينيات أُنشئت مدرسة الشيخ سلطان بن سالم القاسمي في رأس الخيمة، ثم جاء التعليم النظامي للدولة في الفترة ما بين 1953- ،1917 بعد أن أسست العديد من المدارس خلال البعثات التعليمية المختلفة من الدول الشقيقة، ومع قيام الاتحاد كانت الثورة التعليمية التي تؤكدها الأرقام والإحصاءات· جاء الاتحاد ليقول دستوره في المادة (17) إن التعليم ''عام وموحد وإلزامي ومجاني في كل مراحله داخل الاتحاد''، لذلك ينفرد الاتحاد دون الإمارات بالتشريع والتنفيذ في شؤون التعليم (المادة 120)·
وقد مر التعليم بمراحل مختلفة ومتعددة كان من أهمها بناء المناهج الوطنية وتم حديثاً إقرار السياسة التعليمية في دولة الإمارات؛ ففي شهر أبريل من عام 1995 أقر مجلس الوزراء الموقر وثيقة السياسة التعليمية، التي وضعتها الوزارة مستعينة بممثلين عن كافة شرائح مجتمع الإمارات ورجال الفكر والعمل فيه بناءً على تكليف مجلس الوزراء الموقر للجنة الوزارية للتعليم في يونيو ·1992 واستمرت رحلة التطوير خلال هذه الفترة، وبعد ما يقارب الخمس سنوات طورت وزارة التربية والتعليم رؤيتها الجديدة للتعليم في الدولة والمعروفة بالتعليم ،2020 وبدأت بعض برامجها في التنفيذ، لكن ومع التشكيل الجديد لمجلس الوزراء الموقر تم تقويم هذه الرؤية وكان الرأي الجازم بأنها لم تنل حظها من الدراسة مما حدا بالوزارة بإعادة تقييم الواقع للخروج بتصور جديد للتعليم، وكان هذا التصور الذي نُشر على صفحات هذه الجريدة قبل أيام بعد أن تمت دراسته من قبل مجلس الوزراء الموقر، وهو مشروع طموح لو توفرت له دعائم تحقيقه· ومن المستجدات التعليمية في الدولة إنشاء مجلس التعليم في أبوظبي والذي يمثل دعماً حقيقياً للتعليم بجوانبه المادية والمعنوية، ولعلي أختم المقال ببعض التوصيات المهمة ومنها:
1- الشراكة في التعليم، وهذا يتطلب إشراك المجتمع بكافة مؤسساته في رسم مستقبل التعليم في الدولة، كما تقتضي هذه الشراكة فتح القنوات المؤسسية داخل الوزارة للحوار والمساهمة في تخطيط المستقبل·
2- احترام التخصص، فالتربية والتعليم اليوم توسع التخصص فيها حتى شمل كافة جوانبها من تخطيط، وتقويم، وتطوير للمناهج، وإدارة تعليمية، وهذا يدفعنا إلى أهمية إعداد الكفاءات المواطنة اللازمة للقيام بدورها·
3- اللامركزية التنفيذية، فكثير من الدول التي تقدم فيها التعليم اليوم تخلصت من المركزية المطلقة إلى اللامركزية في معظم الأمور، فالمدارس ينبغي أن يكون لها ميدان للإبداع والاجتهاد بما يضمن التنافس لما فيه مصلحة الوطن·
4- النظر إلى واقع العملية التعليمية داخل المدرسة وحجرة الصف، بدلاً من التخطيط الورقي الذي أوجد انفصاماً واضحاً بين النظرية والتطبيق· د· خليفة علي السويدي