قبل أربعة وثلاثين عاما من الآن قدم فقيدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''رحمه الله'' لشعب الإمارات هدية بالفعل لا تهدى ولا تباع، تمثلت في هذا الاتحاد الذي أوضح لنا معالم الطريق، وقد خرج من رحم الفرقة التي ذاق مرارتها كل من اكتوى بنارها في العهد السابق، وجاء الوقت الذي نستقر فيه ونتلمس البديل المناسب في قوة الاتحاد الذي نشر ظلاله في كل أرجاء الوطن·
ولم يغادرنا زايد ''رحمه الله'' إلا بعد أن اشتد عود الاتحاد وزاد صلابة وتعمقت جذوره في قلوبنا، فصار جزءا من الهواء الذي نستنشقه كلما أشرقت علينا شمس يوم جديد، فنتذكر باني هذا الصرح الذي أثمر في غضون تلك السنوات حضارة وثقافة وعمراناً في إنسان الإمارات قبل بنيانها·
الاتحاد غدا حقا أثمن هدية قدمها قائد عظيم لشعبه وأمته، النموذج الذي أثنى عليه المعاصرون من علماء السياسة، لأنه خرج إلى الوجود حين كانت الأمة العربية والإسلامية تخوض التجارب تلو الأخرى للم الشمل، إلا أن المحاولات باءت بالفشل وكان الخوف من فشل هذا الاتحاد المصغر منطقيا لمن يقرأ تفاصيل التجربة في الأيام الأولى من عمر الاتحاد، إلا أن إرادة القائد الراحل حالت دون الوقوع في أخطاء التجارب الأخرى، حيث تزامنت الإرادة العليا مع حاجة الشعب إلى التلاحم، فكانت النتيجة في وحدة قدمت مصلحة المستقبل على المصلحة الآنية·
لقد قدم الاتحاد لشعب الإمارات الكثير وتحققت مكاسب يصعب حصرها في عجالة، وحري بنا أن نحافظ على رونق وبريق هدية القائد الراحل ولا نترك مجالا لنحت أي جزئية، منها ولا ندع فراغا ينسل إليه المغرضون والمتربصون لهذه التجربة الفريدة تشكيكا في قدرته على التواصل للمزيد من العطاء المتميز وضمان قوة ولاء أفراد الشعب لاحتواء أية نبرة فيها تراجع أو تردد عن الأهداف السامية لهذا المشروع الذي يمثل الحضارة في أرقى معانيها·
ومن حسن حظنا أن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وهو خير خلف لخير سلف، قد تعهد جازما بمواصلة ما كان عليه والده من نهج قويم وسليم لمتابعة مسيرة الاتحاد بكل تفاصيلها، وإضافة كل دعائم القوة إليه حتى يتجدد، ومن خلاله، يغتني العطاء لهذا الشعب وللآخرين، وهو ما كان واضحا أشد الوضوح بعد استلام سموه لدفة الأمور في دولة الوحدة والاتحاد·
وإننا على يقين تام بأن الأمانة والهدية الغالية قد انتقلت إلى أيدٍ أمينة، لا تقبل ولن ترضى بأي تقصير أو تفريط في حملها·
إننا كمواطنين نشعر، وبحق، بأن هذا الاتحاد أضاف إلى حياتنا معنى جديدا ولحركتنا مذاقا مميزا لن نجد له مثيلا إلا في هذا الاتجاه الذي نحافظ من خلاله على مزيد من العطاء المتواصل·
إن الاتحاد في عقده الرابع يتحدث بلسان جيل كامل لم يفتح عيونه إلا عليه ولا يمكنه إغماضها دون رؤية هذا الأثر الكبير أمامه، فقد غدا الاتحاد نبراسا يضيء طريق الأجيال التي لم تشاهد مخاض البدايات ولكنها تستطيع أن تتلمس خطاها من خلال جيل الاتحاد الذي عاصر كل تفاصيله بما فيها من مرارات البداية وختمت بأحلى الثمرات اليانعات·
إن تجربة الاتحاد يجب أن تتحول إلى مدرسة متكاملة للأجيال تستقي من ينابيعها زلال الأفكار والقيم الصافية التي تغذي حياة القلوب العطشى والمحبة لكل نداءات الوحدة والاتحاد، ليس على المستوى المحلي فقط وإنما علينا أن نبث هذه الأنفاس الحرى إلى محيطنا الخليجي لبناء وحدة أكبر في القريب العاجل·