لقد دأبت الحكومة الأميركية على إصدار تقرير دولي سنوي عن انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف بلدان ودول العالم· وفي يوم من الأيام كانت المنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان، تتلهف لصدور هذا التقرير بفارغ الصبر، نظراً لما يمثله من مساهمة كبيرة في مجال الدفاع عن هذه الحقوق ومقاومة الحكومات والأنظمة القمعية التي تنتهكها· وأقول ''في يوم من الأيام'' لأن التقرير الذي تصدره الولايات المتحدة الآن، تحول إلى مصدر حرج أخلاقي كبير لمن يصدرونه· ذلك أن أميركا نفسها أصبحت في مقدمة الدول التي تمارس التعذيب بحق سجنائها ومعتقليها، علاوة على كونها في صدر قائمة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان اليوم· وكما نعلم فإن نائب الرئيس ديك تشيني، لا يكف عن تصريحاته العلنية حول حق حكومة بلاده في اعتقال وسجن المشتبه بهم إلى مدد غير محددة، ودون تقديم أية اتهامات ضدهم· كما يبرر نائب الرئيس، احتجاز أميركا سراً للعشرات من السجناء والمشتبه بهم في شتى أنحاء العالم، بل وحقها في تعذيبهم! ولما كانت الصحافة الليبرالية في غاية الاستياء من تصريحات ومواقف ديك تشيني، فقد بادرت إلى نعته بلقب ''نائب رئيس الشر''·
وخلال الشهر الماضي وحده، أطلعتنا الصحافة الأميركية على بعض الأمثلة المخزية للفظائع التي ترتكبها وكالة المخابرات المركزية وقوات الجيش الأميركي، بحق السجناء المعتقلين سراً في مواقع وأماكن لا سبيل لمنظمة الصليب الأحمر لزيارتها أو دخولها· وقبل أيام مضت تحدث ''بورتر جي· غروس'' مدير وكالة المخابرات المركزية إلى صحيفة ''يو أس إيه توداي'' اليومية، معترفاً بوجود معتقلات أميركية سرية في مختلف أنحاء العالم، إلا أنه نفى أن تكون تلك السجون والمعتقلات تمارس التعذيب بحق المعتقلين· ولكن الملاحظ أنه رفض في الحديث نفسه الإفشاء بأسماء تلك السجون وتحديد مواقعها، إضافة إلى عدم كشفه عن عدد السجون ولا عدد السجناء المحتجزين بداخلها· وهكذا وجدنا أنفسنا إزاء معلومات غامضة مبهمة، لا تحدد الأماكن ولا أسماء وهويات المعتقلين، ولا عددهم ولا طبيعة التهم الموجهة إليهم، ولا المدد التي أمضوها في تلك السجون والمعتقلات· وتبقى النتيجة النهائية وجود معتقلين بلا اتهامات ولا حقوق ولا محامين يدافعون عنهم!
وهكذا تحولت الولايات المتحدة الأميركية إلى قوة عظمى تمارس اليوم، كل الانتهاكات التي تتعارض تعارضاً صارخاً مع كل القيم والمبادئ والحقوق التي أرساها دستورها، يوم أن ولدت وتأسست كنظام جمهوري، قبل أكثر من 200 عام خلت· وحسب التقارير والمعلومات الصحفية المزلزلة التي أوردتها كل من صحيفة ''واشنطن بوست'' وقناة ''إيه بي سي'' الإخبارية، فإن هناك سبعة أساليب يمارسها السجانون الأميركيون بحق المعتقلين في تلك السجون، وهي عينها الأساليب والممارسات التي نفى السيد مدير وكالة المخابرات المركزية، عنها صفة التعذيب· ومن ضمن هذه الأساليب ما يلي:
أولاً: يجري هز السجناء بقوة وعنف أثناء ربطهم، بحيث يؤدي ذلك إلى فقدانهم للوعي، وحدوث كسور في العظام وتمزقات في الأغشية العضلية والروابط وغيرها·
ثانياً: إلى جانب الهز بعنف، يتعرض السجناء للضرب بالعصي وأعقاب البنادق· ثالثاً: يصاحب الهز أحياناً حرق أجساد السجناء بالسجائر· رابعاً: يرغم السجناء على الوقوف بأيديهم وأرجلهم المقيدة، لمدد تصل في بعض الأحيان إلى أربعين ساعة بالتمام والكمال· خامساً: يحبس السجناء في زنزانات شديدة البرودة - بحيث يكون السجين عارياً، ويتم رشه بالماء البارد على نحو دوري ومتكرر· سادساً: هناك الأسلوب الذي صار يعرف اليوم وعلى نطاق واسع باسم ''ركوب الأمواج''· ووفقاً للتقارير والمعلومات التي بثتها قناة ''إيه بي سي'' التلفزيونية، خلال مقابلات أجرتها مع عدد من الجنود الأميركيين الذين مارسوا هذا الأسلوب بحق معتقليهم، فإنه يتم ربط السجين أو المعتقل إلى لوح خشبي أو بلاستيكي مائل، بحيث تكون القدمان مرفوعتين ويوضع الرأس قليلاً تحتهما· ثم يتم لف وجه السجين أو المعتقل بطبقة من السلوفان، قبل أن يبدأ السجان بسكب كميات كبيرة من الماء عليه· ونتيجة لصعوبة التنفس وقوة انسكاب الماء على الوجه والجسم، يتعاظم خوف السجين من أنه يغرق، الأمر الذي يدفعه سريعاً للاستسلام والمطالبة بوقف ذلك العذاب· وعلى حد إفادة المصادر التي استقت منها قناة ''إيه بي سي'' تلك المعلومات، قال ضباط عسكريون أخضعوا أنفسهم لتلك التجربة، إنهم لم يستطيعوا الصمود فيها لأكثر من 14 ثانية فقط! سابعاً وأخيراً، هناك مهاجمة السجناء العرايا بكلاب مخيفة شرسة، دربت خصيصاً على عض وقضم المناطق الحساسة والخاصة من جسم الإنسان· وإن لم تكن جميع هذه الأساليب المتبعة في السجون الأميركية السرية تعذيباً -كما قال مدير وكالة المخابرات المركزية- فمما لاشك فيه أن هناك معنى آخر للتعذيب، نجهله نحن ولا ندري ماهيته! وبالطبع، فإن الوصول إلى نقطة الانهيار، لا معنى له أصلاً، لأن في وسع أي شخص أن يدلي بأية اعترافات ويقول أي كلام ينقذه من ويلات هذا ال