أظهر تقرير جديد للأمم المتحدة أن وباء الإيدز قد استشرى وبلغ حدوداً مهددة للبشرية، بإزهاقه أرواح ما لا يقل عن ثلاثة ملايين نسمة سنوياً أو 60 ألفاً أسبوعياً· أما بين المصابين والحاملين لفيروس VIH المسبب للمرض، والبالغ عددهم 40 مليون مصاب، فنصفهم تقريباً من النساء، بينما يزيد عدد الأطفال بينهم على المليوني طفل· إلى ذلك تشهد معدلات الإصابة بالمرض والفيروس المسبب له، ارتفاعاً في مختلف أنحاء العالم· ولما كانت هذه هي الأرقام والحقائق فلماذا يتفاءل عدد من مسؤولي الصحة العامة -ومن بينهم شخصي- بإمكان هزيمة الإيدز ووضع حد له؟ والإجابة هي أن التقنيات والطرق الصحية المتبعة اليوم في علاج الإيدز والوقاية منه، وفي تعزيز نظم الرعاية الصحية، لم تعد قادرة على لجم الإيدز وإبطاء سرعة انتشاره وتحسين سبل مقاومته فحسب، وإنما أصبحت هذه التقنيات والطرق قادرة أيضاً على تسريع التوصل إلى فتوحات وكشوف -لطالما ظلت المجتمعات البشرية بحاجة ماسة إليها- في مكافحة أمراض أخرى تفتك هي الأخرى بالبشرية، مثل الملاريا والدرن الرئوي، مع العلم بأنهما من الأمراض التي تفتك بشعوب المجتمعات الفقيرة والأقل نمواً في مختلف أنحاء العالم·
وعلى الرغم من أنه يصعب الحصول على الأخبار السارة والإيجابية في تقرير منظمة الصحة العالمية المتعلق بالإيدز، إلا أنها موجودة في مكان ما منه· صحيح أن عدد ضحايا الإيدز لا يزال يواصل ارتفاعه، إلا أن وتائر الموت قد تناقصت وتباطأت نسبياً، ربما بسبب الارتفاع في نسبة وعدد المصابين الذين يتلقون العلاجات اللازمة للمرض· ومن ذلك ذكر تقرير منظمة الصحة العالمية نفسه، أنه تم إنقاذ نحو 250-300 ألف من المصابين بالفيروس من الموت العام الماضي، نتيجة تلقيهم للعلاج· وفي الاتجاه ذاته تسعى كثير من الحكومات والدول إلى خفض معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بالإيدز بين مواطنيها، عن طريق تحسين نظم الرعاية الصحية وتقديم العلاجات اللازمة لمصابي الإيدز· ولكن لا يعني هذا أن أداء الحكومات والدول قد وصل مدى مطمئناً وخالياً من الإبطاء والقصور، الأمر الذي يستدعي حثها على إسراع الخطى وتحسين أدائها، بحيث يصل إلى مستوى أفضل مما هو عليه الآن·
غير أن توسيع دائرة علاج مرضى الإيدز ومصابي الفيروس المسبب له، لا يعكس سوى نصف الصورة العامة لإنقاذ البشرية من كارثة الوباء فحسب· ذلك أن التحدي الأكبر والأكثر أهمية من العلاج، هو وقاية الأفراد والمجتمعات من الإصابة بفيروس الإيدز، مع العلم بأن عدد المصابين قد بلغ نحو خمسة ملايين العام الماضي! وكم يبدو التحدي كبيراً والمهمة صعبة وعسيرة، إذا ما أخذنا في الاعتبار عجز دولة بإمكانات وقدرات وعلم وتكنولوجيا الولايات المتحدة الأميركية، عن خفض معدلات الإصابة بالإيدز على امتداد العشر سنوات الماضية· ولدى وضع هذه الحقيقة في الاعتبار، مقترنة بحقيقة أن ما يقارب الواحد، بين كل خمسة أشخاص من المعرضين للإصابة بفيروس الإيدز - يفتقر تماماً لأدنى المعلومات المتعلقة بالحماية من الإصابة بالفيروس، فعندها ندرك مدى حاجتنا لتبني طرق وأساليب جديدة في تحصين الأفراد والمجتمعات من تفشي الوباء بينها· ولابد لهذه الطرق والأساليب من أن تمضي إلى ما هو أبعد من مجرد التوعية الصحية، وحث الناس على العفة الجنسية واستخدام الواقيات وغيرها من الأساليب التقليدية المتبعة حالياً· والوسيلة الأكثر إغراءً وإثارة لحماس وفضول دعاة ومسؤولي الصحة العامة، هي تعزيز وتقوية نظم الرعاية الصحية، بحيث تكون هذه النظم قادرة على علاج المصابين، وحماية غير المصابين من الإصابة بالفيروس· وتتضمن أساليب الوقاية هذه، خضوع الأفراد الطوعي لفحوصات الإيدز، فضلاً عن تلقيهم الاستشارة الطبية الطوعية حول الإيدز ومسبباته·
يلاحظ أنه وقبل توفر علاجات الإيدز في الدول النامية، لم تكن هناك رغبة تذكر من جانب الحكومات في الاستثمار الصحي في مجال فحص الإيدز· كما لم يكن الأفراد أنفسهم على أدنى درجة من الحماس لمعرفة وضعهم الصحي، ومدى إصابتهم أو عدم إصابتهم بالفيروس· أما اليوم وعلى إثر التوفر النسبي للعلاجات، فقد ازداد حماس الحكومات والأفراد معاً، لفحص الإيدز وتلقي الاستشارات الطبية الخاصة به· ولنا أن نأخذ بمنطقة جنوبي إفريقيا مثالاً على هذا، حيث ارتفع الطلب على فحص الإيدز والاستشارات الطبية، بنسبة 1,200 في المئة، على إثر توفر علاجات الإيدز· وعليه فقد أصبح من الواجب الآن استثمار هذا الحماس الرسمي والشعبي، في بناء وتقوية نظم الرعاية الصحية المتوفرة في هذه الدول، بحيث لا تكون هذه النظم قادرة على توفير الخدمات الطبية العلاجية والتعليمية الخاصة بالإيدز وحده، وإنما تشمل خدماتها معالجة ووقاية الأفراد والمجتمعات من أمراض أخرى، يتصل انتشارها بمفاقمة الإصابة بوباء الإيدز، منها على سبيل المثال، الملاريا والسل الرئوي وعدد من الأمراض المعدية التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي·
صحيح أن هناك تحديات كبيرة تجابه إنشاء نظم رعاية صحية فاعلة وقوية في