جميعنا يعلم أن التكلفة المالية للأسوار المصنوعة من الحديد أو الألمونيوم عالية، وخاصة إذا كانت ذات تشكيلات فنية جميلة· وقد يكون من الطبيعي أن نضع للسجن أسواراً من حديد حتى لا يهرب السجناء، لكن طالما تساءلت: لماذا نحتاج إلى الأسوار للمدارس والبيوت والمساجد؟ هل روح السجن تعشش داخلنا؟ هل هي رغبتنا الدفينة في البحث عن حماية موهومة صنعها فكرنا المريض لأننا ضد الحرية؟ هل هي بسبب نزعة الاختباء وراء الحصن المتخيل بسبب عقلية الغزو القبلية؟
أنظر إلى السور الحديدي الذي وضع فوق حافة السور الحجري للمسجد القريب من منزلي، وأتساءل: كم ثمنه نظراً للمحيط الكبير للمساجد بشكل عام؟ وأيهما أجدى، بناء هذا السور، علماً بأن بيوت الله يجب أن تظل مفتوحة على الدوام للناس، أم دفع ثمنه لصندوق تعليم أو لعلاج مرضى أو لسد حاجة إنسان من مأكل أو مشرب أو ملبس؟ والعالم العربي والإسلامي يعج بالفقراء؟!
المدارس في بلدي الكويت تشبه مباني السجون الأميركية، لماذا نريد ''سجن'' الأطفال والشباب في المدارس؟ لماذا لا تكون المدرسة فضاءً حراً في المكان؟ سيجيب بعض ''التربويين''، حتى لا يهرب الطالب من المدرسة! لا خير في تعليم بالإكراه· وبعض المدارس تزيل الحائط الحجري أو الإسمنتي العالي لتضع بدلاً منه سوراً من حديد، لماذا؟ حتى يرى الطالب العالم الخارجي!
أما في منازلنا فالطامة الكبرى، حيث لا يمكن أن تصل الكهرباء إلى المنزل إلا بعد إقامة السور وفقاً للقانون الكويتي، وغالباً ما يكون السور عالياً حتى لا يطّلع الغرباء على الأهل، وفوق السور الإسمنتي نضع السور الحديدي، يعني خسارة أموال مضاعفة بدون معنى!
لنترك مسألة تنفيع المقاول جانباً بالنسبة للمؤسسات الرسمية، ونحاول أن نبحث عن إجابة نفسية· أعتقد أن للأمر علاقة بعدائنا لمفهوم وقيمة الحرية الإنسانية، ورغبة منع الآخرين من التواصل معنا، حتى في حالة المسجد، أليس لسوره الحديدي بوابة تغلق بعد انتهاء الصلاة؟ وفي أيام ذلك الزمن المسمى بالماضي، كانت المساجد مفتوحة ليل نهار· كان أصحاب أو العاملون في المحلات ينامون فيها بعد صلاة الظهر طلباً للراحة· واليوم نغلقها حتى لا يرتاح فيها عامل النظافة البنغالي!
مدارسنا التي تضم أبناءنا مسوّرة بالطابوق والحديد حتى لا نتيح لهم فرصة الهروب من المدرسة، دون أن نكلف أنفسنا عناء السؤال: لماذا يريدون الهرب؟ وما هي الحلول التي نحتاجها؟ نعم، التعليم لا يخلو من إجبار وإلزام، لكن إلى أي درجة؟ وإلى أي مرحلة؟ أليس قيام كثير من الطلبة بتدمير المدارس جزءاً من نفسية الحجز؟ ألا نهتم أبداً بتعليمهم قيمة التعليم لهم كوسيلة لمستقبل أفضل؟ لماذا لا نعلمهم قيمة الحرية؟ وبالمناسبة نادراً جداً ما نجد حديقة جميلة في المدرسة مقارنة بالأسوار!
من الواضح أن روح السور الكامنة في نفوسنا المتعَبة من العيش في نظام سياسي واجتماعي مستبد بالأوامر والنواهي، تظهر إلى الصورة الخارجية من خلال بناء الأسوار، لقد بنى الإنسان السور لكي يحميه من خطر الحيوان واعتداء الإنسان وغضب الطبيعة، لكن تطور الأمر لكي نقيد به حرياتنا·