تتزايد أهمية مراكز البحوث في الوطن العربي في المرحلة الحالية التي تزداد فيها الضغوط الخارجية وتتفاقم فيها المشكلات الداخلية في ظل غياب وضعف التعاون العربي·
وعلى رغم أهمية البحث العلمي لنهضة وتقدم أي بلد، فإن مراكز البحوث ليست من الأولويات في المنطقة العربية، لذلك أصبحت أزمة البحث العلمي من المظاهر الرئيسية للتخلف العربي والتي من أهم مظاهرها تواضع الميزانيات وضعف إسهامات العرب في مجال البحث العلمي ووجود فجوة بين مراكز الأبحاث والأجهزة التنفيذية واتساع الفجوة الرقمية التي يعاني منها العالم العربي·
وفي إحدى الندوات الخليجية التي انعقدت خلال الآونة الأخيرة نوقشت عدة محاور تتعلق بدور مراكز البحوث في العالم العربي· ومن أهم القضايا التي تطرقت إليها الندوة هي التأكيد على حقيقة أن ازدياد دور مراكز البحوث هو تعبير عن انتقال البحث العلمي من مرحلة ''الباحث الفرد'' إلى مرحلة ''الباحث المؤسسة'' والتي يستعين فيها الباحث بالخبرات التي تقدمها المؤسسة بما في ذلك تنوع التخصصات التي تشملها دون أن تلغي رأيه الفردي أو اجتهاده الشخصي·
هنالك اتفاق بين جمهور الباحثين على أن المستقبل هو صناعة بشرية، وهو جهد علمي منظم، وأن المستقبل سيكون على النحو الذي نعمل من أجله ونخطط له، وأن إعمال العقل والفكر في الصور المرغوبة لمستقبل كل مجتمع هو أمر ضروري، حتى لا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن·
في دراسة عن مراكز البحوث في الدول العربية أكد أحد الباحثين أن مراكز البحوث العربية حديثة الإنشاء، فأول المراكز البحثية أقيمت في مصر في الستينيات، ففي عام 1988 كان هنالك 5مراكز بحثية عربية، لكن العدد قفز في السنوات الأخيرة إلى أكثر من 16 مركزاً، وهنالك مراكز جديدة لم يتمكن الباحثون من التعرف على طبيعتها لقلة الدراسات التي تنشرها هذه المراكز·
أحد الباحثين أكد بأن قليلا من المراكز البحثية في الوطن العربي وصل إلى مكانة إقليمية مرموقة، حيث أقامت شبكة من الاتصالات والعلاقات مع مؤسسات أخرى مماثلة، ويعود سبب ضعف مراكز البحوث العربية إلى عدم الاستقرار السياسي، وعدم توفر الكادر البحثي المؤهل وعدم توفر الإمكانيات المالية والإرادة السياسية·
نوقشت في الندوة العوامل المعيقة لتطور التعاون والتنسيق بين مراكز البحوث العربية، حيث تواجه المراكز البحثية في ميدان العلوم السياسية والاستراتيجية ظروفاً قاهرة وعوامل معيقة بسبب طبيعة هذه الدراسات ومكانتها في المنظومة البحثية والمعرفية عموماً، ومواقف السلطات الرسمية العربية منها بالدرجة الأولى، الدراسات والبحوث السياسية لا تزال تتمحور حول الدولة ووظائفها ومؤسساتها وسياساتها وعلاقاتها بالدول الأخرى، مما يحد من الخيارات أمام الباحثين· المعضلة الأخرى التي تواجه الباحثين هي إصرار الدولة على كتابة التقارير الإيجابية عن أصحاب القرار، ما يشكل معضلة أمام الباحث الحر·
طبيعة الأنظمة السياسية العربية الريعية السائدة ليست في حاجة إلى علم السياسة، وأقصى ما تحتاجه هو التقارير الاستشارية لكيفية توظيف الريع في صالح استمرار النظام القائم·
اتفق المجتمعون على أن العرب متخلفون في كل المجالات البحثية والدليل على ذلك هو أن عدد الكتب المترجمة منذ عهد المأمون حتى الآن يقدر بـ10,000 كتاب، أي ما يوازي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة· ويقدر متوسط الكتب المترجمة في الوطن العربي لكل مليون من السكان في النصف الأول من الثمانينيات بـ4,4 كتاب، أي أقل من كتاب واحد في السنة لكل مليون إنسان مقابل 519 كتابا لكل مليون إنسان في المجر و920 كتابا في إسبانيا، فكيف يمكن تحسين وضع مراكز البحوث في أمة لا تقرأ ولا تهتم بالعلم والحداثة؟·