لا يكف المسؤولون الإندونيسيون عن التأكيد بأن بلادهم استطاعت-ودونما اللجوء إلى فرض قوانين وإجراءات غير اعتيادية- أن تحقق ما لم تحققه دول أخرى في مجال مكافحة الإرهاب واصطياد رموزه وتفتيت شبكاته·
وكان آخر مناسبة قيل فيها مثل هذا الكلام اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي ''جورج دبليو بوش'' بنظيره الإندونيسي ''سوسيلو بامبانغ يودويونو'' في الأسبوع الماضي في مدينة ''بوسان'' الكورية الجنوبية، وذلك على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي·
أما الدول المعنية باستقرار إندونيسيا وأمنها-وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تقود الحرب على الإرهاب العالمي، واستراليا التي فقدت أكثر من 300 من مواطنيها بأعمال إرهابية داخل إندونيسيا- فإنها لا تقلل من انجازات جاكرتا وتعاونها، بل صارت تُشيد بما فعلته وتفعله، وإنْ رأت أنَّ هناك المزيد مما تستطيع إضافته كتقييد حركة الجماعات والقوى الإسلامية المتشددة وتجفيف منابعها المالية ومراقبة خطابها الإعلامي المحرض على العنف·
فمعظم الأسماء الكبيرة التي ثبتَ تورطها في العمليات الإرهابية في البلاد في السنوات الأربع الماضية، إما تمتْ تصفيتها في المواجهات الأمنية، أو قُبض عليها وسيقتْ إلى المعتقلات أوهربت مذعورة إلى الخارج· وكانت آخر نجاحات جاكرتا هو تخلصها من الإرهابي الماليزي أزهري حسين الذي كان، إلى ما قبل نحو شهر، أحد أخطر الإرهابيين الفارين في منطقة جنوب شرق آسيا بسبب ما قيل عن دوره المحوري ضمن شبكات ''الجماعة الإسلامية'' في التخطيط والإشراف على معظم العمليات الإرهابية الكبرى على الساحة الإندونيسية·
مقابل هذا- وكما يتندر الإندونيسيون- لم تستطع واشنطن حتى الآن ورغم فارق الإمكانيات بينها وبين جاكرتا أن تصطاد الأسماء الكبيرة الموجودة على قائمة من تطاردهم سواء في أفغانستان أو العراق، بل إنها لم تستطع حتى الاحتفاظ بمن اعتقلتهم جاكرتا على أراضيها وسلمتهم إليها·
والإشارة هنا هي للإرهابي الكويتي من أصل عراقي ''عمر الفاروق'' الذي اعتقلته السلطات الإندونيسية في عام 2002 بتهمة العمل لصالح تنظيم ''القاعدة'' والتنسيق بين الأخيرة وأشباهها في إندونيسيا والفلبين، فضلاً عن علاقته بمخطط لاغتيال الرئيسة ''ميغاواتي سوكارنو بوتري''، قبل أن ترحله إلى أفغانستان بناء على طلب واشنطن ويُسجن هناك مع بقايا رموز نظام ''طالبان'' في ''قاعدة'' باغرام الجوية الحصينة· وقد كُشف النقاب مؤخراً فقط عن أن الرجل كان في عداد من تمكنوا من الهرب من معتقلهم الأفغاني في يوليو الماضي، مما حدا بالرئيس ''يودويونو'' إلى إصدار تعليمات مشددة إلى أجهزته الأمنية بضرورة الاستيقاظ والعمل الدؤوب من أجل قطع الطريق عليه لدخول البلاد مجدداً، وخاصة أنه متزوج من إندونيسية ويجيد التحدث باللغة المحلية والتنكر·
والحقيقة أن ما حدث في إندونيسيا على صعيد مكافحة الإرهاب هو بلا شك تحول كبير في بلد كان إلى ما قبل وقوع مجزرة بالي الأولى في أكتوبر 2002 يصر على خلو أراضيه من الإرهابيين ويسخر من التقارير الغربية المحذرة من تحوله إلى بؤرة لتجمع المتشددين المرتبطين أو المتعاطفين مع تنظيم ''القاعدة''·
وحتى بعد أن أثبتت هذه المجزرة الرهيبة صدق التقارير الغربية، تحاشت حكومة الرئيسة السابقة ''ميغاواتي'' القيام بعمل فوري وكبير وحاسم، وقد فُسّر هذا التردد بخوف ''ميغاواتي'' من إتهام الجماهير الإندونيسية المسلمة لها بالعمل كمخلب للأميركيين ضد الإسلام والمسلمين، وبالتالي انعكاس ذلك سلباً على شعبيتها وحظوظها في الاحتفاظ بالزعامة لفترة ثانية· كما فُسر أيضاً بخوفها من احتمالات أن تؤدي أية خطة لإطلاق يد الجيش وقوى الأمن في محاربة الإرهاب إلى تقوية نفوذ وسلطة العسكر، هي التي عانت الكثير منهم زمن ديكتاتورية الرئيس الأسبق أحمد سوهارتو مثلما عانى من قبل والدها بطل الاستقلال أحمد سوكارنو·
غير أن الضغوط التي تعرضت لها ميغاواتي من واشنطن وكانبيرا ودول أخرى غربية وإقليمية ساهمت في قيام حكومتها لاحقاً بدور أوسع في مطاردة الجماعات الإرهابية وضربها، ولا سيما بعد تكرر أعمال الإرهاب واستهدافها مصالح وطنية وأجنبية في عامي 2003 و·2004 وهو ما تواصل، لكن ضمن سياسة ورؤية أكثر وضوحاً وجدية، بعد وصول الجنرال المتقاعد ''يودويونو'' إلى السلطة قبل نحو عام كأول رئيس منتخب مباشرة من الشعب· فهذا الأخير استطاع بخلفيته العسكرية وتجاربه الأمنية السابقة ورؤيته غير المأزومة لشكل التعاون مع واشنطن أن ينقل الحرب على الإرهاب في بلاده من حال إلى حال، رغم عدم استجابته حتى الآن للمطالب الصادرة من بعض رموز المؤسستين العسكرية والأمنية حول أن تحقيق نتائج أفضل في الحرب على الإرهاب يتطلب فرض قوانين أمنية خاصة مقيدة للحريات لبعض الوقت على الطريقة المعمول بها في ماليزيا وسنغافورة مثلاً·
على أن انجازات يودويونو لا تعني أن الحرب على الإرهاب في بلاده قد حسمت أو انتهت· حيث أن الأمور في مثل هذه الأحوال لا تُحسم بعدد م