بعد مخاض سياسي عسير، دام قرابة شهرين، وصلت أنجيلا ميركل إلى سدة الحكم في ألمانيا، لتدخل التاريخ كأول سيدة ألمانية تشغل منصب المستشار· ''ميركل'' زعيمة الحزب ''المسيحي الديمقراطي'' تسلمت مهامها رسمياً يوم 23 نوفمبر الحالي بعد حصولها على 397 صوتاً من أصوات أعضاء البرلمان البالغ عددهم 614 عضواً، علماً بأن الفوز بمنصب المستشار يتطلب الحصول على أغلبية قوامها 308 أصوات، وبذلك تدخل نتائج الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في ألمانيا يوم 18 سبتمبر الماضي، حيز التنفيذ، والتي تفوق فيها الحزب ''المسيحي الديمقراطي'' بقيادة ''ميركل'' على منافسه ''الحزب الاشتراكي الديمقراطي'' بزعامة جيرهارد شرويدر بثلاثة مقاعد فقط·
بوصول ''ميركل'' إلى قمة الهرم السياسي في برلين، يكون الألمان على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها إصلاح سوق العمل عن طريق خفض الضرائب وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، ورفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، واستبدال الانضمام بشراكة أوروبية- تركية، وجميعها أمور برزت في حملة ''ميركل'' الانتخابية· نجاح ''ميركل'' يعود في الأساس إلى معدلات البطالة المرتفعة بين الألمان والتي بلغت 11% في ظل توقعات متدنية لنمو الاقتصاد الألماني خلال العام المقبل، ما ألحق الضرر بشعبية منافسها المستشار الألماني السابق جيرهارد شرويدر· ويبدو أن المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها ألمانيا دفعت ''ميركل'' إلى تبني أولويات منها ''تغيير الذهنية الألمانية'' و''تجاوز مفهوم الدولة الاجتماعية التي تضمن حياة آمنة لمواطنيها'' أي التخلي عن مفهوم دولة الرفاهية·
ألمانيا تنتقل الآن من ''اليسار'' إبان حكم شرويدر إلى ''اليمين'' على يد ''ميركل''· لكن منْ هي أنجيلا ميركل؟ ولدت ''أنجيلا دوروتيا كاسنر'' في مدينة هامبورغ في 17 يوليو عام ،1954 وانتقلت أسرتها إلى منطقة ''مارك براندبنورغ'' بألمانيا الشرقية حيث عمل والدها قساً بروتستانتياً في مدينة ''تمبلن''· درست الفيزياء بجامعة لايبزيغ (73-1978) وحصلت على الدكتوراه في الفيزياء عام 1986 من الجامعة ذاتها· وعملت موظفة في ''أكاديمية برلين للعلوم'' خلال الفترة من 1978 إلى ،1990 تزوجت ''أولريش ميركل'' الذي التقته أثناء دراستها الجامعية، وهي تحمل اسمه حتى الآن، رغم انفصالها عنه وزواجها من ''يواخيم زاور'' وهو أستاذ جامعي في الكيمياء· وبعد سقوط جدار برلين عام ،1989 انضمت الدكتورة ''ميركل'' إلى حركة ''الإحياء الديمقراطي'' بألمانيا الشرقية، وشغلت منصب المتحدثة الصحفية باسم الحركة، وبعد إجراء أول انتخابات في ألمانيا الشرقية، شغلت منصب المتحدثة الرسمية باسم حكومة ألمانيا الشرقية، وتم انتخابها عام 1990 عضواً في ''البوندستاج'' البرلمان الألماني، وذلك في أول انتخابات برلمانية يتم إجراؤها في ألمانيا بشطريها الشرقي والغربي· لعب المستشار الألماني السابق هيلموت كول دوراً مهماً في حياة ''ميركل''، حيث قام بتعيينها في منصب وزيرة المرأة والشباب خلال الفترة من 1991-،1994 وكانت قد انضمت عام 1990 إلى ''الحزب المسيحي الديمقراطي'' بزعامة ''كول'' الذي تعامل معها بأسلوب أبوي، ووصفها بالمتدينة والخجولة· وأصبحت وزيرة للبيئة خلال الفترة من 1994 إلى ،1998 وبعد هزيمة ''كول'' قبل سبع سنوات تم انتخابها أميناً عاماً للحزب، وفي أعقاب تعرض المستشار السابق لفضيحة التبرعات السرية التي حصل عليها الحزب ''المسيحي الديمقراطي'' كانت ''ميركل'' هي أول منتقديه، حيث طالبته عام 2000 بترك الحياة السياسية وتسليم قيادة الحزب للجيل الجديد، وفي العام نفسه تم انتخابها رئيسة للحزب ''المسيحي الديمقراطي''·
''ميركل'' التي يصفها الألمان بالبراغماتية والعصامية لا تتمتع بالخبرة الكافية على الصعيد الدولي، إذ تقتصر خبرتها على ترؤس مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الذي انعقد في يوليو عام ،1995 ما قد يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على إدارة السياسة الخارجية الألمانية· لكن حصاد الأيام الأولى لتسلمها زمام الأمور، والتي زارت فيها باريس وبروكسل ولندن، يشي بأنها ستواصل التحالف مع فرنسا، لكنها ستسعى إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة· وعلى الرغم من أن ''ميركل'' كانت مع قرار الحرب الأميركية ضد العراق، فإنها أعلنت من مقر حلف شمال الأطلسي ببروكسل رفضها مشاركة ألمانيا في تدريب القوات العراقية، في خطوة يمكن تفسيرها بمراعاة الرفض الشعبي الذي أبداه الألمان لهذه الحرب·
تحديات جمة تواجه ''ميركل'' -المستشار رقم 8 في تاريخ ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية- أهمها الإصلاح الاقتصادي ومكافحة البطالة وتحسين العلاقات مع واشنطن التي توترت جراء رفض شرويدر الحرب على العراق وتفعيل دور برلين في الاتحاد الأوروبي· بعض الصحفيين الألمان يصفون ''ميركل'' بأنها ''تاتشر ألمانيا'' استناداً إلى سياساتها المحافظة وصرامتها، لكن ثمة مخاوف من أن يكون وصولها إلى سدة الحكم بداية لانتعاش أفكار ''يمينية'' متشددة، وهو ما يمكن ملاحظته عبر ت