لا تحظى أفريقيا باهتمام كبير في وسائل الإعلام·· في نفس الوقت الذي نجد فيه شخصا مثل النجم المعروف ''براد بيت'' يحاول جاهدا أن يبقى بعيدا عن أضواء الإعلام· ولكنه لم يتمكن من ذلك ووجد نفسه يقضي يوم الجمعة الماضي بأكمله - كما يقول- وهو يستعد لدور جديد وهو ''براد بيت·· الخبير التجاري''· وقد أخذ ''بيت'' هذا الموضوع بمنتهى الجدية حيث ارتدى بزة سوداء وأحضر دفترا أسود اللون وحاول أن يجعل نظرته عميقة ونافذة وهو يخاطب ضيوفه كما حاول أن يمسك القلم، كما يمسكه كبار المديرين، كي يسجل بعض الملاحظات· وفي البرنامج الذي ظهر فيه ''بيت'' كان يجلس على الجانب الآخر من الطاولة ''ستيف ريدليت'' الخبير بـ''مركز التنمية الدولي'' الذي قام باستعراض الحجج التقليدية عن التجارة: المزايا النسبية، حماية الصناعات الوليدة، واستبدال الواردات بمنتجات محلية· وبينما كان مستغرقا في الشرح كان ''براد بيت'' يقوم بتسجيل كل ما يكتبه، ويبدو كما لو كان صحفيا مهما· ومن حين لآخر كان يقاطع ضيفه ليسأله:''عفوا ولكن هل يمكنني مقاطعتك·· حسب علمي فإن تلك المناقشة تدور حول حقوق العمال؟''، فيجيبه ريدليت قائلا:''نعم· ولكن يجب أن تعرف أن المشروعات التجارية في دول العالم الثالث الفقيرة والتي تطبق مبادئ حرية التجارة تعامل موظفيها أفضل مما تعاملهم المصانع التي تنتج سلعا للسوق المحلية في تلك الدول''· ويرد عليه ''بيت'' محاولا الظهور بمظهر العالم المدقق:''ولكن أليس الشيء غير الجيد بالنسبة لنا هو الشيء غير الجيد بالنسبة لهم أيضا؟''·
بعد ذلك، يتصل أحد المشاهدين كي يقول إن الفقراء لا يكسبون كثيرا من التصدير لأن سلعهم تباع بأسعار رخيصة·· وإن الذي يباع بأسعار غالية هو الماركات الغربية المعروفة ثم يتساءل عن السبب الذي يجعل الناس يدفعون المزيد من النقود من أجل شراء البضائع الغربية لمجرد أنها من ماركات وأسماء معروفة·
ويرد عليه ''بيت'' قائلا على سبيل الدعابة:''أنا نفسي ماركة مشهورة ومع ذلك فإنني أسأل نفسي هذا السؤال أيضا''·
ويستمر هذا اللقاء على الهواء لفترة لساعة ونصف· وبدون فاصل للراحة، يصل مفاوض تجارة أميركي إلى الأستوديو، كي يوضح بعض النقاط·· وبعده يأتي خبراء تجاريون من منظمات دولية مختصة مثل ''منظمة أصدقاء الأرض'' ثم اثنان من مزارعي القطن من غرب أفريقيا· وبنهاية البرنامج يكون ''بيت'' قد قابل عددا كبيرا من الناس، وسجل عددا كبيرا من الملاحظات الدقيقة في دفتره· وقبل أن ينهي برنامجه ينظر بعمق إلى مزارعي القطن الأفريقيين ويقول لهما إنه سيعمل على توصيل رسالتهما إلى الجمهور· وفي الحقيقة أن ما قام به ''بيت'' يمكن أن يكون له تأثير كبير· ففي الفترة التي سبقت عقد قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى في اسكتلندا الصيف الماضي استطاع ''بيت'' عرض موضوع مساعدات أفريقيا في برنامج ''ديان سوير'' الشهير "Primetime Live" لمدة ساعة كاملة· وفي الحقيقة أن الجهود التي قام بها قد عززت من الجهود التي قام بها الممثلون ونجوم الروك الآخرون، الذين كانوا قد أطلقوا تلك المناسبات المعروفة باسم حفلات '' Live 8 '' قبل تاريخ عقد القمة مباشرة، وهو ما كان له تأثير في إحراج دول العالم الغني معنويا ودفعها لزيادة قيمة تبرعاتها للدول الفقيرة· والأمل هو أن يتم تحقيق نفس الإنجاز قبل جولة الدوحة لمحادثات التجارة، التي ستعقد في دولة قطر، وهي المحادثات المعلقة في الوقت الراهن· ومن المعروف أن فرنسا تقود مجموعة من الدول الغنية التي ترفض تخفيض مستوى الحماية التي تقدمها لمشروعاتها الزراعية، والتي تلحق الضرر بالدول الفقيرة· والتجارة يمكنها الاستفادة من مثل هذا الدعم الذي يقدمه المشاهير ونجوم الروك·· خصوصا إذا ما عرفنا أن بعض شركات التجارة والأعمال التي كانت تضغط في السابق باتجاه زيادة درجة حرية التجارة قد فقدت بعضا من حماستها·· لأن الصفقات التجارية التي كانت قد حققتها أفقدتها تأييد البعض· لذلك فإن ''بيت'' وزملاءه يجب الآن أن يهرعوا لإنقاذ تلك الشركات· ويذكر في هذا السياق أن الزعماء الأميركيين الدينيين الذين قاموا كثيرا من قبل بشن حملات من أجل تخفيف ديون دول العالم الثالث، يخططون الآن لاستغلال لقائهم مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الأسبوع القادم، للضغط من أجل المزيد من تحرير التجارة· وسيتحدث ضيوف رايس لحوالى 80 مليون أميركي· و''براد بيت'' وحده يملك مثل هذا العدد من المعجبين، مما يعني أن الجاذبية الشخصية والكاريزما ستجتمعان لتشكلا جماعات الضغط الجديدة في مجال التجارة والأعمال·
مع ذلك تبقى بعض الهموم ومصادر القلق· فالقيام بحملات من أجل التجارة أكثر تعقيدا بكثير من القيام بحملات من أجل المساعدات، لأن التجارة تتضمن وجود خاسرين كما تتضمن وجود رابحين في نفس الوقت· ففي الوقت الراهن نجد بعض الدول الفقيرة تستفيد بمزايا تفضيلية تتيح لها حق الدخول إلى أسواق الدول الغنية، وهي المزايا التي ستختفي إذا ما أصبح حق الدخول إلى تلك الأسواق م