طارق رمضان مثقف أوروبي مسلم يحتفي به الكثيرون في الغرب ويكرهه الكثيرون كذلك· والرجل ملتزم برسالة أو بهدف وهو تطوير عقلية إسلامية غربية تجمع بين المبادئ الإسلامية السامية وبين القيم الغربية الحديثة· وقد صنفته مجلة ''التايمز'' البريطانية باعتباره واحدا من ضمن 100 من أكثر الرجال نفوذا في أوروبا خلال هذا القرن· ومع ذلك فإن السلطات الأميركية رفضت السماح له بتولي وظيفة في جامعة أميركية· والكثيرون في الولايات المتحدة وفي بريطانيا، يعتقدون أن طارق رمضان متطرف إسلامي يتخفى وراء ردائه الأكاديمي· ففي بريطانيا على سبيل المثال تقوم الصحف اليمينية بشكل دائم بتشويه سمعته، عندما تتهمه بأنه أكثر خطورة من أسامة بن لادن نفسه لأنه ينتمي إلى الغرب، ولأنه مقنع في انتمائه الغربي، ولأنه حلو الحديث، طلق اللسان وقادر على الإقناع إلى درجة دفعت أحد الصحفيين الغربيين ذات مرة للتحذير من تصديق طارق رمضان لأنه يقول أشياء مختلفة أمام الجماهير المختلفة· من الناحية الأخرى نجد أن مؤيديه ومريديه يرفضون هذه الاتهامات ويقولون إن أفكاره وإن كان بعضها قد يبدو معيبا للوهلة الأولى إلا أنها ليست كذلك في الحقيقة بل تتطلب فحصا دقيقا حتى يمكن إدراك كنهها· لذلك فإنه يجب علينا كي نقوم بتقديم عرض محايد لكتابه الجديد المعنون:''المسلمون الغربيون ومستقبل الإسلام'' أن ننسى تماما ما يقوله عنه أنصاره ومعارضوه· يبدأ رمضان كتابه الجديد بفقرات كاملة مكتوبة بذلك الأسلوب الجديد الذي تتبعه طائفة من الكتاب المعاصرين منهم على سبيل المثال''باولو كويلهو'' والهندي ''ديباك شوبرا''· فالعبارات التي تتضمنها تلك الفقرات تكاد تكون مماثلة لما يكتبه الآخرون من ناحية أنها تبدو كما لو كانت همسات حميمة في الآذان هدفها تخدير من يقرؤونها، ودفعهم إلى عدم التساؤل وتصديق ما يقوله الكاتب بشكل أعمى، ومن هذه العبارات على سبيل المثال: ''اذهب·· سافر في أنحاء العالم شرقا وغربا·· ولاحظ·· وابحث عن الحقيقة وعن سر الوجود'' أو: ''يجب علي أن أشرع في القيام برحلة جديدة كي أكتشف ذاتي·· فهذا هو المعنى الحقيقي للحياة''·
يقول رمضان في مقدمة كتابه إنه يسعى إلى تحرير المسلمين من الأغلال التي تكبل عقولهم، بحيث يصبح في مقدورهم فهم الدين على النحو الصحيح وفي ضوء احتياجات العصر· وهو يقول إنه كان حريصا وهو يقوم بذلك سواء في كتبه السابقة أو في هذا الكتاب على ألا يحول ما يكتبه إلى سلسلة من التعليمات والإرشادات الصارمة، وإنما كان يحاول دوما أن يقدم نفسه كرفيق أو كصديق يمكن للقارئ على اختلاف مذهبه وتوجهاته التحاور معه بشكل منطقي وهادئ· وطارق رمضان يتبنى في كتابه هذا وجهات نظر قد لا تعجب الكثيرين من المسلمين· كمثال لذلك على سبيل المثال قوله: ''إن الأغلبية العظمى من سور القرآن وأحاديث السنة النبوية ليست ذات طبيعة صارمة وملزمة ولا تقبل النقاش كما يعتقد الكثيرون''· بيد أنه يستدرك ذلك ويقول إن ذلك لا ينطبق على الإسلام فقط وإنما على جميع الأديان، وإن هذه الأديان جميعا مطالبة من وجهة نظره بأن ''تراجع نفسها كي تعرف ما هي غايتها الحقيقية في هذا العصر الحافل بالمتغيرات''· وكذلك قوله ''إن الإسلام ليس نسخة واحدة يتم فرضها على الجميع ولكنه وفي جوهره علاقة مباشرة بين الإنسان وربه''· وينعى طارق رمضان على الغالبية العظمى من المسلمين تشبعهم بكم هائل من اليقينيات التي يرى أنها تحول بين الآخرين وبين الدخول في مناقشة حرة معهم· وهم كما يرى لا يكتفون بذلك بل ويسعون إلى المزيد من تلك اليقينيات وإلى شخصيات دينية ذات نفوذ وحضور طاغ، كي يقوموا باتباع تعاليمها وأوامرها بشكل أعمى ودون مناقشة· وهو يقول إن ذلك ليس تواضعا أمام العلماء كما يذهب إلى ذلك الكثير من المسلمين لأن التواضع من وجهة نظره هو إحساس الإنسان بالحاجة إلى إعادة اكتشاف نفسه من خلال إدراك لحاجته التي ولدت معه منذ بداية الخليقة إلى تحقيق الاستقلال التام· والكتاب يتحدى فرضية ''صموئيل هنتينغتون'' ذائعة الصيت، التي يقول فيها إن العالم يمضى بخطى حثيثة نحو ''صراع حضارات''، وإن ذلك الصراع سيدور أساسا بين النسخة الجامدة من الإسلام غير القابلة للتغير، وبين القوى الليبرالية التي تمثل الغرب الديناميكي الحر· ويذهب رمضان إلى أن نبوءة هنتينغتون قد جرى تقويضها من قبل الكثير من المفكرين المتفائلين، ولكنه يعترف مع ذلك بأن ''المكونات التي يمكن أن تقود إلى صراع الحضارات موجودة في الكثير من العقليات الإسلامية المعاصرة'' وإن المسلمين يجب أن يتصدوا لمثل تلك العقليات ويتعاملوا مع التداعيات التي قد تنتج عنها· ويقدم رمضان العديد من الأدلة المقنعة والباعثة على الإعجاب في الحقيقة، والتي تدل في نفس الوقت على ما يتمتع به من قوة منطق، ومن قدرة على الإقناع· فهو يقوم هنا بالهجوم على الكثير من المدارس الفكرية الإسلامية التي يقول إنها تتبنى ''عقلية الجيتو'' أي عقلية الانعزال والحذر المبالغ فيه من الآخر·
بدلا من ذلك يدعو رمضا