على الرغم من الارتفاع الملحوظ لعدد الطلبة الأجانب المسجلين في الجامعات الأميركية خلال السنة الجارية حسب استطلاع رأي أجري مؤخرا، فإن هؤلاء الطلبة مازالوا أقل بكثير من العدد الذي سجلته الجامعات الأميركية سنة ·2002 وفي حين توقف التراجع في عدد الطلبة الأجانب الملتحقين بالجامعات الأميركية معيداً بعض الثقة في قدرتنا على استقطاب كفاءات جديدة، إلا أن ذلك يجب ألا يحجب عنا العراقيل الكثيرة التي مازالت تعترض الولايات المتحدة في مجال اجتذاب الكفاءات إلى جامعاتها والاستفادة منهم في المجالات العلمية والاقتصادية المختلفة حفاظاً على تفوقنا العالمي ودورنا الريادي في مجالات الابتكار والإبداع· وليس من شك في أن الطلبة الأجانب الذين يأتون إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستهم وتحصيل الشهادات العليا يعتبرون مكسباً حقيقيا لمسيرة أميركا العلمية، لا سيما الطلبة الذين يتابعون تخصصات في العلوم والهندسة·
وحسب دراسة أجراها ''كيث ماسكوس''، أستاذ الاقتصاد في جامعة ''كولورادو''، فإنه من بين كل 100 طالب أجنبي يستكملون دراستهم بالجامعات الأميركية في التخصصات العلمية والهندسية، فإن الولايات المتحدة تحصل على 62 براءة اختراع· وليس غريباً أن يساهم هؤلاء الطلبة بعد تخرجهم في تطوير القاعدة التكنولوجية الأميركية وخلق دينامية علمية تسهم بدورها في إنعاش الاقتصاد من خلال إقامة شركات خاصة بهم استطاعت تحقيق نجاح باهر· ونذكر هنا شركتي ''سان مايكروسيستمز'' و''إنتل'' اللتين يقودهما طلبة أجانب سابقون في الجامعات الأميركية· ولا تكمن أهمية حضور الطلبة الأجانب في إنعاش الاقتصاد الأميركي فحسب، بل تمتد مساهمتهم إلى عمق النظام التعليمي ذاته، حيث أدى التحاقهم بالجامعات الأميركية إلى تطوير أدائها والرقي بمستواها· وتشير التقديرات إلى أنه بدون طلبة أجانب ما كان لبعض برامج العلوم والهندسة المطروحة في الجامعات الأميركية أن تستمر بالنظر إلى ما تلاقيه من إقبال كبير من جانبهم· كما أنهم يرفدون الأقسام العلمية في تلك الجامعات بالأساتذة المهرة مساهمين بذلك في تطور البرامج العلمية بالكليات الأميركية إلى درجة أصبح الأساتذة من أصل أجنبي يشكلون معها ثلث العاملين في الأقسام العلمية بالجامعات الأميركية·
وبوقوفنا على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تراجع عدد الطلبة الأجانب في الجامعات الأميركية، رغم الفائدة العظيمة التي يجلبونها للنظام التعليمي الأميركي وإسهامهم الفعال في تطوير الاقتصاد، فإنه يمكن الإشارة إلى جملة من العوامل تأتي في مقدمتها التعقيدات الكثيرة التي تصاحب الحصول على التأشيرة، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر· بيد أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى الانحسار الملحوظ في أعداد الطلبة مردها إلى المنافسة الشرسة التي تواجهها الجامعات الأميركية في استقطاب الطلبة الأجانب من قبل الجامعات الأخرى في بريطانيا واليابان وغيرها· يضاف إلى ذلك أن تحسن مستوى الجامعات وتطور النظام التعليمي لدى بعض البلدان مثل الصين والهند وما رافق ذلك من نمو اقتصادي ساهم هو الآخر في انحسار عدد الطلبة الذين يفضلون البقاء في بلدانهم لما توفره من فرص محترمة، فضلا عن الرسوم الدراسية المرتفعة للجامعات الأميركية· هذا بالإضافة إلى ذلك التصور الشائع لدى الكثيرين من أن أميركا ليست مهتمة بالطلبة الأجانب ولا تحرص على اجتذابهم إلى جامعاتها، وهو تصور خاطئ بالطبع يعزى إلى ضعف التواصل بين الجامعات الأميركية والمؤسسات التعليمية في البلدان الأخرى، فضلاً عن غياب سياسة ترويجية قادرة على إعادة التألق إلى النظام التعليمي الأميركي· لكن الأكثر من ذلك هو تلك التعقيدات الكثيرة المرتبطة ببقاء الطلبة الأجانب في الولايات المتحدة بعد حصولهم على شهاداتهم، حيث تصعب تسوية أوضاعهم القانونية ونيلهم الإقامة الدائمة ثم الانخراط في الحياة العملية سواء في القطاع الخاص أو في ميدان البحوث والتدريس في الجامعة· وقد يستغرق ذلك من الطلبة أكثر من سنتين من الإجراءات قبل حصولهم على بطاقة الإقامة· أما الأنباء الوحيدة السارة المتبقية فهي الأمل في تغيير الوضع عن طريق اتخاذ بعض الإجراءات البسيطة لتسهيل الأمر على الطلبة في الحصول على إقامة العمل داخل الولايات المتحدة· وفي هذا السياق قام مجلس الشيوخ بتمرير قانون يقضي بتوسيع دائرة المستفيدين من إقامة العمل وتأشيرات الدخول المؤقتة لتشمل الأجانب ذوي المهارات العالية· وفي الاتجاه ذاته يتعين على إدارة الرئيس بوش أن تسير في الطريق نفسه بأن تترك لأرباب العمل حرية خيار دفع ضريبة محددة للتسريع من عملية تسوية أوضاع الإقامة بالنسبة لموظفيهم وتقليص مدة استخلاص الأوراق اللازمة إلى 30 أو 60 يوما بدلا من الفترة الطويلة التي تمتد ما بين السنتين إلى الأربع سنوات· بالإضافة إلى ذلك يتعين على الكونجرس إلغاء شرط تقديم الطلبة، الذين يريدون متابعة دراستهم العليا في الجامعات الأميركية، ما يثبت أنهم سيرجعون إلى أوطانهم بعد حصولهم على الشهادة· كما يتعين إ