ما يحدث في إسرائيل يبدو في ظاهره شأنا داخليا لا يتجاوز حدود إعادة ترتيب القوى والتوازنات السياسية، وإفراز قوة سياسية ثالثة تتوسط المسافة الفاصلة ''نظريا'' بين اليسار العمالي المعتدل واليمين الليكودي المتطرف أو المتشدد، ولكن تداعيات الأحداث في أعقاب ما وصفه الكثيرون من المحللين المتابعين للشأن الإسرائيلي بـ ''الزلزال الشاروني'' تؤكد أن ما يحدث في إسرائيل الآن سوف يؤثر على مسار التسوية السلمية، وأن إعادة تشكيل الخريطة السياسية في إسرائيل سوف يتبعه بالضرورة إعادة تشكيل الثوابت التفاوضية التي يتبناها الجانب الإسرائيلي·
كل المؤشرات تؤكد أن العام المقبل سوف يكون مختلفا وشاقا وصعبا أمام المفاوض الفلسطيني·· استطلاعات الرأي تؤكد أن شارون الجديد أو الوسطي أو غير الليكودي هو فرس الرهان في الانتخابات العامة المقبلـــة في إسرائيل خلال مارس المقبل، وان حزبه الجديد سيحصد الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة، وهو ما يعني أن رؤية شارون الخاصة لمستقبل التسوية هي التي ستتصدر مائدة المفاوضات مع الفلسطينيين، وهو في رؤيته التي أعلنها مرارا منذ انسحابه من الليكود يرفض بشكل قاطع مبدأ ''الأرض مقابل السلام''·· ويتبنى شعارا جديدا تماما ويمثل تحولا جذريا في الشعار السياسي للتفاوض منذ مؤتمر مدريد للسلام واتفاقات اوسلو مرورا بخارطة الطريق، شعار ''الأمن مقابل الاستقلال''·· الأمن المطلق لإسرائيل مقابل استقلال لا يعد بشيء محدد ولا يأخذ الأرض المحتلة في حساباته·
والأجندة التفاوضية لرئيس الوزراء الإسرائيلي لمرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة تربط بين مفاوضات الحل النهائي وبين تفكيك ما أطلق عليه وصف ''قواعد الإرهاب''·· وهو ما يضع القيادة الفلسطينية أمام تحد شديد الصعوبة خصوصا مع صعوبة إقناع فصائل المقاومة الفلسطينية بجدية مسار السلام فيما تتواصل عمليات تسديد الفاتورة الانتخابية على شكل اجتياحات واغتيالات، وفيما الحصار لا يزال يخنق سكان قطاع غزة المحرر·
كل هذه المتغيرات تستحق دراسة متأنية واستعدادا جادا من قبل المفاوض الفلسطيني·· هناك معطيات جديدة لابد من دراستها واستيعابها والاستعداد لها·· وهي على الجانب الآخر منها تؤكد أن تخلص شارون من حصار اليمين المتشدد والمتطرف في تحالف الليكود ونجاحه في الانتخابات المقبلة سوف يعطيه قوة وقدرة تفاوضية يمكن أن تفسح المجال لمفاوضات أكثر جدية بعيدا عن المناورات السياسية التي تستدر تعاطف المتشددين وهو ما يمكن أن يقود في نهاية المطاف إلى نتائج ملموسة على الأرض·