دخل الرئيس بوش للتو فترة ولايته ''الثالثة''· نعم هذا صحيح· فهو رئيس ''الثلاث'' ولايات· فولايته الأولى امتدت من عام 2001 وحتى ،2004 وكان الحدث الغالب عليها هو الحادي عشر من سبتمبر، الذي استغله بوش بمهارة كي يتبنى أجندة ''يمينية'' متصلبة، بشأن موضوعي الضرائب والحرب في العراق، وهي الأجندة التي لم تكن تعرف لها مسارا في العاشر من سبتمبر، واستطاع بوش بعد هذا اليوم دفعها إلى عالم الثاني عشر من سبتمبر·
أما فترة ولايته الثانية فكانت قصيرة للغاية، إذ لم تستغرق سوى الفترة من تاريخ إعادة انتخابه في نوفمبر 2004 إلى يوم تنصيبه رئيساً لفترة ثانية عام ·2005 وهذه الولاية كانت ولاية ضائعة تماماً، وكان الغالب عليها تلك المحاولة التي قام بها بوش لخصخصة الأمن الاجتماعي، والتي رفضتها أميركا، وكذلك الفضائح السياسية لكل من ''لويس ليبي'' و''توم ديلاي'' وفضيحة ''بيل فيرست''، ورد الفعل المرتبك إزاء كارثة الإعصار ''كاترينا''، وإساءة إدارة حرب العراق إلى الدرجة التي بدأ فيها الكثير من ''الديمقراطيين'' و''الجمهوريين'' بالتصويت بـ''عدم الثقة'' في أداء فريق بوش- تشيني في تلك الحرب·
عندما أشاهد الرئيس بوش الآن فإنه يبدو لي مثل رجل يتمنى لو كان لدينا شيء اسمه التعديل رقم 28 للدستور، ويكون عنوانه:''هل أستطيع الذهاب الآن؟''· إنه يبدو مثل رجل يفضل أن يلملم حاجياته وأغراضه ويعود مرة أخرى إلى مزرعته في تكساس· ونظرا لأنه لا يوجد في الدستور مثل ذلك التعديل، فإن بوش ليس أمامه سوى خيارين: الأول هو أن يستمر في ممارسة الحكم وكأنه لا يزال يخوض معركة انتخابية أمام جون ماكين في ''ساوث كارولينا''· أي أن يقوم بدفع استراتيجية ''يمنية متصلبة''، تقوم على تقسيم أميركا حتى يحصل على نسبة 50,1 في المئة المطلوبة للقيام بتمرير قانون لمنح المزيد من التخفيضات الضريبية مع الاستمرار في الوقت ذاته في تجاهل مشكلاتنا الحقيقية وهي: العجز المالي، والرعاية الصحية، والطاقة، والتغير المناخي، والعراق· إن إقدام بوش على اتباع المزيد من تلك السياسات التي تقوم على تخريب أشياء من أجل إصلاح شيء أو تحقيق هدف سيكون بمثابة كارثة·
في الحقيقة أنه وفي وقت لا يزال من الممكن التوصل إلى محصلة لائقة في العراق، وفي وقت نقف فيه عند أهم لحظة سياسية في بغداد -أول انتخابات وطنية قائمة على الدستور العراقي الذي وضعه العراقيون بأنفسهم- فإنه كان من المفزع أن نشاهد بوش وديك تشيني وهما يقومان باتهام ''الديمقراطيين'' بأنهم أقل وطنية من ''الجمهوريين'' بشأن موضوع العراق· وبالنسبة لرجلين خاضا هذه الحرب بتكلفة زهيدة، وكانا يقومان دائما بتقديم المناورات السياسية على السياسات الحقيقية، ولم تكن لديهما خطة لصباح اليوم التالي للغزو، ولم يقوما بمحاسبة أي أحد من اتباعهما بسبب خطأ ارتكبه· بالنسبة لرجلين هذه صفاتهما فإن قيامهما باتهام أي أحد بأنه كان يفتقر إلى الجدية بشأن الحرب في العراق يعتبر أمرا مقززا · صحيح أننا في حاجة لمواصلة المهمة والاستمرار على الدرب في الوقت الراهن في العراق، ولكننا لن نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا أو طالما نحن مقسمون· هذا هو لب الموضوع· إننا الآن على وشك أن ننتج أكثر الحكومات شرعية على الإطلاق في العالم العربي، ومع ذلك فإننا نجد أن فريق بوش- تشيني وبدلا من أن يعترفا بأخطائهما بشأن موضوع أسلحة الدمار الشامل، ويطلبا العفو والسماح من الأمة، ويحثاها على الوقوف صفا واحدا وراء الجهد المهم اللازم لهزيمة جنون الجهاديين في العراق نراهما يفعلان شيئا مختلفا تماما· ماذا فعلا؟ لقد بدآ بتلطيخ سمعة ''الديمقراطيين'' بشأن موضوع العراق· هل هذا تصرف عقلاء؟ وهل لدينا وقت كي نشغل أنفسنا بمثل هذا الهراء·
إننا نلج الآن ما يعرف بـ''عصر الخيارات الصعبة'' بالنسبة للولايات المتحدة· وهو ''عصر لا نستطيع فيه دائما الاعتماد على ثلاث دول آسيوية كي تكتب لنا شيكات نعوض بها إخفاقنا في الاستعداد لمواجهة الإعصار أو إخفاقنا في إدارة الحرب بالشكل السليم''، وذلك حسب نص كلمات ''ديفيد روثكف'' مؤلف كتاب ''إدارة العالم: القصة الداخلية لمجلس الأمن القومي ومهندسي القوى الأميركية''·
ويضيف ديفيد روثكف قائلا:''وإذا لم يكن الرئيس بوش قادراً على الارتقاء إلى مستوى هذا التحدي فإن أبناءنا وأحفادنا سينظرون إلى العبء الذي وضعه على كواهلهم ويعتبرون هذه اللحظة أي لحظتنا الحالية هي الحد الفاصل بين العصر الأميركي والعصر الصيني· ومن المحتمل جداً أن جورج بوش في مثل تلك الحالة سوف ينظر إليه باعتباره الرئيس الذي أدى إحجامه عن معالجة تلك المسائل العاجلة، عندما كانت هناك حاجة لمعالجتها على أنه كان الرجل الذي تسبب في أفول نفوذ أميركا''·
إنني أتمنى من صميم قلبي أن يرتفع الرئيس بوش إلى مستوى هذا التحدي إذ ليس بمقدورنا أن نضيع السنوات الثلاث المتبقية من عمر ولايته· والرئيس بوش كي يرتفع إلى مستوى هذا التحدي، سيكون بحاجة إلى أن يكون رئيساً مختلفا تماما خلال فترة ''ولايت