أن تدخل حفلة عرس حيث تتعالى أصوات الزغاريد وضحكات الفرح وحيث ترقص طفلة بثوبها الأبيض وهي وصيفة للعروسة التي يغمر قلبها فرح ليلة العمر، أقول أن تدخل وتسحب حلقة الأمان من حزامك الناسف وتحول الجميع إلى أشلاء متناثرة ودم يلطخ الجدران بينما بقايا من مخ الطفلة تلتصق بمنديل طاولة الطعام وتدعي أن ذلك يدخل ضمن منهج محاربة أعداء الله فإن هذا هو الموت العبثي المطلق· أن تقف أمام باب روضة للأطفال وتنتظر الحافلة المحملة بصغار يحلمون بالغد الجميل والمستقبل الواعد وتهرول أمام الحافلة وتفجر الحافلة بمن فيها ويموت الأطفال ويموت أهلوهم غصة وكمدا وتدعي أن هذا العمل بطولة واستشهاد فإن الأمر لا يخرج عن كونه موتا عبثيا·
أن تستمد شرعية قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق من مشايخ الدولار ومشايخ الأحقاد الشخصية والتفسيرات العبثية فإن الأمر يحتاج إلى أكثر من وقفة شجاعة ومؤثرة ووقفات لمعالجة أصل الخلل الذي أصاب فكر الأمة وأعماها عن طريق الحق والصواب وطمس على ضميرها الذي يبدو أنه مات تحت فتاوى القتل التي صارت توزع على ذاكرة وضمائر الأبناء· في موقف لا يقبل المزايدة وينطلق من مواقف ثابتة ومؤمنة بالإنسان وقف الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وأطلق دعوته الكريمة والشجاعة موجها خطابه إلى علماء الأمة داعيا إياهم إلى الوقوف في صف الحياة مقابل ثقافة الموت والوقوف بحزم في صف الدين الإسلامي وتعاليمه الحقة مقابل كل التخرصات والأفكار الظلامية التي تسربت أو سربت للدين الإسلامي لتحوله ومن أجل مصالح سياسية وأطماع شخصية وثارات عقدية إلى دين يدعو للقتل ودين يؤسس في نفوس الأبناء ثقافة الموت والدم وإقصاء الآخر·
لقد كانت دعوة سموه منطلقة من رؤية دينية حريصة على صحيح الدين وحتى لا تكون ثقافة القتل هي الزاد الذي تغذى به أجيال الأمة وحتى لا يكون نهج القتل وإلغاء العقل وسحل الآخر المختلف نهجا يراد له أن يسود حتى يمكن أن تعود دولة الخلافة!! إن ثقافة القتل وترويع الآمنين ونشر الدمار واستباحة الأعراض والأموال لتبرير الهجمات الانتحارية الجبانة لم تكن موجودة في منهج الدعوة المحمدية تلك الدعوة التي جاءت من أجل خير وسلامة الإنسان ومن أجل أن تحقق له السعادة والرضى في الدارين·
وقف سمو الشيخ محمد بن زايد ليؤكد أن دولة الإمارات ومن أعلى قمة الهرم السياسي تنبذ الإرهاب وتزدري ثقافة الموت التي يروج لها بعض الدراويش والموتورون وكارهو الحياة وأن الإمارات وهي تقف مع الأبرياء الذين حصدتهم الأيادي الآثمة من جراء عبثية الموت ونظريات مفاتيح الجنة والتي بها يتم غسل أدمغة الشباب لن تقف مكتوفة الأيدي للتصدي بكل عقلانية وبمنهج علمي مدروس وبشفافية لاجتثاث هذه النبتة الشيطانية من وجدان الأبناء، ولتحقيق هذه الرؤية تدعو علماء الدين من أصحاب الفكر المستنير لإخراج القتلة من الملة وعزل ثقافة الموت التي يتم الترويج لها عن صحيح الدين ومنع المتاجرين بالدين والداعين إلى الموت العبثي ليتوقفوا وإلا فإن التصدي لهم سيكون حازما وحقيقيا ولن يسمح مجتمع الإمارات للخطاب العاطفي الذي لا يستند لا للعقل ولا للمنطق بتسيير جموع الشباب إلى متاهات العبثية والفراغ·
إن ارتداء عباءة الدين والمتاجرة بالفتاوى التي تحرض على القتل وسفك الدماء ونشر ثقافة الخلاف وعدم قبول الآخر أصبحت الخطر الداهم الذي يتهدد المجتمعات العربية والإسلامية حتى أن بعض هذه المجتمعات غدت حاضنات لتفريخ إرهابيين وقتلة تحت ستار الدعوة وتحول الكثير من الهاربين من كهوف ''تورا بورا'' إلى مريدين لثقافة الموت العبثي ينشرون حقدهم ليس في شوارع بغداد وبيروت والرياض وإنما في كل بقعة يحاول فيها الإنسان أن يحيا حياة حرة كريمة ولم تسلم المجتمعات الأوروبية والأميركية من موجة الموت العبثي وهي المجتمعات التي ارتكبت خطيئة توفير الملاذات الآمنة والبيوت المطمئنة والرواتب الأسبوعية لهؤلاء القتلة عندما كانت العديد من الحكومات العربية والإسلامية تطاردهم وتتهددهم وتقف لدعواتهم التكفيرية والدموية بالمرصاد فماذا كان جزاء الإحسان؟ كان رد الجميل عبارة عن قنبلة في مترو الأنفاق وأحزمة ناسفة في المجمعات والأسواق وأخبار الموت العبثي التي طفقت الآفاق·
إن ثقافة القتل ليست وليدة الصدفة أو وليدة الاحتقان السياسي والفساد الإداري والهزيمة الداخلية للإنسان المسلم والعربي ولكن منبت هذا الفكر التكفيري ونظرياته هو العنصر الأكثر أهمية في التقصي والدراسة ويعتقد الكثير من الباحثين في شؤون الجماعات المتطرفة أن الخميرة التي تشكلت بها عجينة ثقافة القتل ربما يكون مصدرها تلك المدارس الدينية والتي انتشرت في العالم الإسلامي والعربي تحت حجة تعليم الأبناء وتفقيههم في أمور الدين ولكن تلكم المدارس انحرفت عن نهج التربية والتعليم واتخذت وفق المنهج الطالباني مسارات أخرى في التعبئة العسكرية والتوجيه المعنوي وغسل الأدمغة وتوزيع صكوك الغفران ومفاتيح الجنة