تجابه إدارة بوش خسارة غير مسبوقة في فرض سيطرتها وتأثيرها على الحوار العام الدائر في الولايات المتحدة حول حربها على العراق· وعلى إثر التقاطها للعديد من المؤشرات السلبية خلال الأسابيع القليلة الماضية، فقد بدأت الإدارة صراعها مجدداً من أجل إعادة بناء قاعدة شعبية مؤيدة للحرب· ولكن المشكلة أن هذه المبادرة الأخيرة ربما جاءت متأخرة جداً عن موعدها· وكما نعلم، فإن المصاعب التي يواجهها الرئيس بوش ليست بالجديدة، لكونها قد بدأت منذ الصيف الماضي عندما نظمت سيندي شيهان -أم أحد الجنود القتلى في العراق- حملة مناهضة للحرب· وفي بدايات الحملة كان البيت الأبيض قد نفى أن يكون لها أي تأثير يذكر على سير الحرب، متجاهلاً في ذلك حجم الاهتمام الذي حظيت به الحملة، سواء من قبل الإعلام والصحافة، أم من جانب الرأي العام الأميركي·
ثم ما أن بدأ الرئيس بوش حملة مضادة، استهدفت الدفاع عن سياساته ونهجه في إدارة الحرب على العراق، حتى أصيبت إدارته بلطمة أخرى، وجهتها له هذه المرة قوى الطبيعة، متمثلة في إعصار ''كاترينا''· وعلى الرغم من كون الأخيرة كارثة طبيعية محضة لا شأن للإنسان فيها، فإن بطء الإدارة وعدم كفاءة الجهات والهيئات الحكومية الاتحادية والمحلية في التصدي لتأثيراتها الكارثية المدمرة، قد أضافا عنصراً جديداً ساعد في انحسار شعبية الرئيس بوش·
تُضاف إلى ذلك كله سلسلة من فضائح التحقيقات والاتهامات التي وجهت إلى عدد من كبار قادة ومسؤولي البيت الأبيض خلال الأسابيع القليلة الماضية، مقترنة بالترشيح الفاشل من جانب الرئيس لمستشارته القانونية ''مايرز'' لتولي منصب قضائي في المحكمة العليا الأميركية، وهو الفشل الذي ارتد إلى الرئيس بوش وحاق بإدارته كلها·
أما النتيجة النهائية لوضع وتجميع كل هذه العناصر معاً -بما فيها بالطبع ارتفاع عدد القتلى من الجنود الأميركيين في العراق- فهي اهتزاز ثقة الشارع الأميركي في القدرات القيادية للرئيس بوش، وتزعزع ثقة المواطنين في نزاهة إدارته·
هذا هو ما عكسته آخر استطلاعات الرأي العام التي أجريت، حيث تراجع تأييد الشارع الأميركي للرئيس بوش، وانحسرت شعبيته لكي تصل إلى نسبة 34 في المئة فحسب، استناداً إلى اعتقاد 6 بين كل 10 من الذين شملهم الاستطلاع، أن الرئيس لم يكن ''نزيهاً'' في إدارته لبلادهم· إلى ذلك فقد احتدم الحوار العام مجدداً، حول مشروعية الحرب وكفاءة الإدارة في تصريف شؤون العراق في مرحلة ما بعد الحرب، مما حدا بالكثير من أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ -سواء كانوا ''ديمقراطيين'' أم ''جمهوريين''- إلى النأي بأنفسهم عن الإدارة، بل ومناهضة السياسات الحربية التي اتبعتها خلال السنوات الماضية·
وبالمقارنة مع ما يحدث اليوم، فقد كان في مقدور الإدارة في السابق، تجاهل الانتقادات التي يوجهها لها أعضاء ديمقراطيون في الكونجرس، من أمثال ''باتريك ليهي'' و''إدوارد كنيدي'' و''جون كيري'' و''جون إدواردز''· إلا أنها ما عادت تستطيع مواصلة ذلك النهج، علاوة على أنها تلقت انتقادات لاذعة الأسبوع الماضي، من قبل عدد من الأعضاء ''الجمهوريين'' بمجلس الشيوخ· وبسبب المخاوف التي انتابت ''الجمهوريين''، إزاء تضاؤل فرص الحزب بالفوز بانتخابات عام ،2006 فقد بادروا بالتقاط زمام المبادرة من ''الديمقراطيين''، وأصدروا قراراً بأغلبية 79 إلى 19 عضواً، يطالب البيت الأبيض وإدارة الرئيس بوش، بتقديم تقرير ربع سنوي عن تقدم سير الحرب على العراق، إضافة إلى جعل عام 2006 فترة تشهد تحولاً كبيراً في الانتقال بالحرب في العراق من يد الأميركيين إلى سيطرة السلطات والقوات العراقية·
وكرد فعل على تصاعد موجة الانتقادات الموجهة للحرب، فقد تنامت جهود الرئيس ونائبه من أجل استعادة سيطرة الإدارة على مجرى الحوار العام· وضمن ذلك بادرت الإدارة بتوجيه اتهاماتها لمنتقدي الحرب بـ''عدم المسؤولية'' و''إحباط معنويات الجنود الأميركيين'' إلى جانب التخلي عن العراق وتركه لقمة سائغة بيد الإرهابيين!