يبدو أن الأمل في الوصول إلى حل وإنهاء لأزمة دارفور مازال واهيا ضعيفا رغم ما يتردد من أن الاجتماعات المحدد لها الأسبوع الأخير من هذا الشهر في العاصمة النيجيرية بين حملة السلاح والحكومة السودانية ستكون حاسمة تصل بالجانبين إلى بر السلام·
إن أقوى المؤشرات التي تضعف الأمل في الوصول إلى حل هو الانقسام الحاد الذي وقع داخل الفصيل الرئيسي لحملة السلاح في دارفور وهو ''حركة تحرير السودان''، حيث انشق هذا الفصيل وصار يتشكل من فريقين، فريق يقوده السيد منى أركوي وفريق بقيادة السيد عبدالواحد محمد نور· ولما كان كل فريق من هذين الفريقين يحمل السلاح ويتمتع بقدر من التأييد القاعدي، ولما كانت لغة الحوار بينهما انتقلت إلى وسائل العنف والقتال، ولما كانت السمة الأولى التي تفرق بينهما هي الولاء القبلي فإن نتائج الخلاف والمواجهة بينهما يمكن أن تؤدي إلى نتائج مدمرة وإلى وضع يمتد اللهيب فيه إلى كل أرجاء دارفور ويباعد بيننا وبين الوصول إلى سلام واستقرار·
لقد أثارت هذه الوقائع وهذه القراءة للوضع الميداني في دارفور - قلق واشنطن التي تبدي اهتماما متزايدا بكل ما يجري في السودان وكان أن تكفل نائب وزير الخارجية الأميركية السيد زوليك بالضغط على الفريقين المتنافرين والتوسط بينهما لتحقيق وحدتهما مرة أخرى· وكانت أهم وسائل الضغط التي مارسها السيد زوليك هي توقف العون الأميركي والدولي لكل حركة التمرد في دارفور إذا لم يتوحد الفصيلان· وكان أن التقى زوليك بقادة الجماعتين في نيروبي في بداية الأسبوع الثاني من هذا الشهر ورغم الجهد والضغط فإن جهود المسؤول الأميركي انتهت بالفشل·
إن من يتابع مجرى الأحداث في دارفور خلال الأيام الأخيرة الماضية يلاحظ أن النشاط العسكري والاشتباكات المسلحة لم تعد وقفا على المواجهات بين القوات التابعة لحملة السلاح وقوات الحكومة، بل امتدت لتقع صدامات مسلحة بين الموالين لكل من الفصيلين اللذين انقسما وكل منهما يدعي أنه يملك دعم وتأييد أغلبية أهل إقليم دارفور· أما محادثات (أبوجا) المقبلة فالواضح أن كل شق من الفريقين سيوفد وفدا منفصلا للتفاوض مع وفد الحكومة وذلك أمر يزيد الوضع تعقيدا واضطرابا ويضعف الأمل في التوصل إلى اتفاق·
لقد كان لاندلاع الوضع في دارفور منذ عامين صدى واسع على النطاق الإقليمي والدولي ومازال الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقا) الذي تولى مهمة مراقبة وقف إطلاق النار في دارفور يواصل مهمته ويتلقى العون اللوجستي من بعض دول الغرب، ولكن الانقسام المشار إليه في حركة الرفض في ذلك الإقليم من شأنه ان يزيد مهمة القوات الإفريقية تعقيدا قد لا يسهل تفاديه·
لقد انعكس ما يجري في دارفور على نشاط قوى المعارضة السياسية في السودان الشمالي وجذب اهتمام قادتها فاستجابت الأحزاب الرئيسية، وهي حزب الأمة بقيادة المهدي وحزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي، والحزب الشيوعي السوداني، استجابت لدعوة من السيد المهدي وعقدت لقاءً تشاوريا بين قادتها وخلص هؤلاء القادة إلى أنه لا جدوى مما يجري من حلول للأزمة بما في ذلك مفاوضات الحكومة مع الخارجين عليها· وقرروا أن حل المشكلة يكون في جهد وطني قومي تتفق عليه كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني· ودعا هؤلاء القادة لمواصلة البحث والتحضير لحملة مظاهرات واعتصامات للضغط على الحكومة للقبول بالمشاركة الوطنية القومية في حل نزاع دارفور· ومعلوم أن الحكومة ترفض ذلك المنهج وتتمسك بأن تسعى منفردة بالأمر رغم علامات الفشل المتواصلة· تلك هي الصورة الماثلة في دارفور وعسير على أي مراقب أن يركن إلى أي قدر من التفاؤل إذا ظل الحال على ما هو عليه·