تشهد الحقبة الحالية لإدارة الرئيس بوش الإبن الثانية الكثير من النكسات والتصدع في بنيان الإدارة· فمن تردٍّ واضح في الشأن الداخلي حول قضايا اتهامات بتجاوز متعمد للقانون وتجسس وتسريب معلومات استخبارية عمداً تطال المقربين من الرئيس بوش وخاصة تشيني ورامسفيلد وإمساكهما مع بقية المحافظين الجدد بمقاليد السياسة· إلى ألغام وقنابل موقوتة من العراق إلى كوريا الشمالية ومن سوريا إلى السودان ومن الصين إلى فنزويلا·
وقد طالب الرئيس بوش موظفي البيت الأبيض بأخذ دروس في الأخلاق العامة وكيفية التعامل مع المعلومات السرية، بعد توجيه خمسة اتهامات إلى ''لويس ليبي'' أحد أعضاء المحافظين الجدد وكبير موظفي نائب الرئيس تشيني في فضيحة ''بلايم غيت'' التي قد تصل إلى نائب الرئيس نفسه· فيما يطالب الديمقراطيون باستئناف التحقيق وإنهاء تقرير الكونغرس للجنة الاستخبارات حول سوء استخدام التقارير الاستخبارية لدعم وجهة النظر لتبرير وتضخيم خطر أسلحة الدمار العراقية إلى درجة فبركة المعلومات، وهذا بالتأكيد ستتم بعده دحرجة رؤوس كبيرة، ويثبت مدى المأزق الذي تجد الإدارة نفسها فيه·
شعبية بوش في انخفاض، وخاصة في أهم صفتين لبوش، الصدق ومحاربة الإرهاب· حيث ترى أغلبية الأميركيين أنه لا يقول الحقيقة، وهذه نكسة حقيقية له· أما الضعف الآخر الذي يعاني بوش منه، فهو تراجع قدرته كرئيس حرب قوي غير متردد على حماية الأميركيين من تهديدات إرهابية· حيث يرى 60% منهم عجزه عن ذلك· وهو الذي تم تفضيله قبل عام على ''كيري'' لاقتناع الأميركيين بأنه أفضل من ''كيري'' المتردد في حمايتهم من عمليات إرهابية· فإذا به يفقد أهم ركيزتين في ترسانته·
يضاف إلى ذلك، تعثر الحرب في العراق مع تجاوز القتلى الأميركيين 2070 قتيلاً، و300 مليار دولار في حرب بلا خط نهاية أو أفق، مع وصول نسبة الأميركيين المتململين والغير راضين عن مسار الحرب في العراق إلى ثلثي الأميركيين فيما يعتقد 60% منهم أن خوض الحرب كان خطأً بعد أكثر من عامين ونصف على اندلاعها· فيما كانت النسبة عند بدء الحرب الربع، فإذا بها تقترب من الثلثين في تغير كلي للمزاج الأميركي· في المقابل، يصر بوش على الاستمرار حتى خط النهاية غير المرئي وإكمال المهمة احتراماً لأرواح القتلى الأميركيين، ومحرفاً أسباب ودوافع الحرب إلى وصفها بالحرب على الإرهاب، ولمنع إقامة إمبراطورية إسلامية تمتد من إسبانيا إلى جاكرتا- والجبهة المحورية في تلك الحرب باتت العراق···
أصدر الرئيس جيمي كارتر المعروف بمثـُليته وبأسلوبه الرصين الهادئ كتاباً جديداً مؤخراً بعنوان: ''قيمنا المنقرضة: الأزمة الأخلاقية لأميركا''··· يتحدث فيه عن فقدان أميركا الحقيقية وعن القيم المنقرضة والأزمة الأخلاقية التي تعيشها أميركا حالياً· ويتحدث الرئيس كارتر عن قلقه من سياسة الإدارة الأميركية الحالية، من السياسات المتطرفة للحكومة والتي تهدد المبادئ الأساسية التي تبنتها ودعمتها الإدارات من الجمهوريين والديمقراطيين السابقة· يؤكد كارتر أن الأزمة الأخلاقية في أميركا وصلت إلى عدم التزامها بقرارات المنظمات والإتفاقيات الدولية باعتمادها الحرب الاستباقية وإسقاط أنظمة معادية وصولاً إلى فرض الهيمنة الإمبريالية الأميركية مهما كان الثمن· بالإضافة إلى سلسلة فضائح التعذيب والسجون السرية· حتى وصل الجشع بالمشرعين الأميركيين إلى إعطاء أنفسهم زيادة 30 ألف دولار سنوية على رواتبهم بينما منذ عام 1997 يبقى الحد الأدنى للأجور للمواطنين على 5,15 دولار للساعة الواحدة (الأدنى في الدول الصناعية)·
على أميركا، كما يؤكد كارتر، أن تبقى المدافعة عن السلام والحريات وحقوق الإنسان· ويختم بوجوب التئام الجراح وجسر الانقسام وتوحيد الأميركيين، بالتزام مشترك لدعم وتقوية القيم التاريخية- السياسية والأخلاقية التي تبنتها أميركا خلال الـ230 عاماً الماضية· كلام واقعي ومعبر من رئيس مثالي لا يطرب الرئيس وجماعة ''المحافظين الجدد'' المتشددين الحالمين·