في تقديري أن حزب ''العمل'' الإسرائيلي صاحب الدور الأكبر في تأسيس دولة إسرائيل، قد تعرض لثورتين كبيرتين منذ قيام الدولة· كانت الثورة الأولى من خارج الحزب ووقعت عام 1977 بفوز تكتل ''الليكود'' اليميني لأول مرة بفرصة الحكم، بعد أن كان حزب ''العمل'' متربعاً عليه وراسخاً في مقاعده لمدة تسع وعشرين سنة منذ عام ·1948 لقد بقيت التركيبة القيادية للحزب خلال تلك العقود الثلاثة معبرة عن سيادة اليهود الغربيين ''الأشكناز'' على الحزب المؤسس للدولة، وهي تركيبة انعكست آثارها في هيكل الدولة ومناصبها، وكذلك في تدني الوضع الاجتماعي والسياسي لليهود الشرقيين القادمين من الدول العربية أساساً والذين عرفوا بمصطلح ''سفارديم''·
ولقد نجحت الثورة الأولى ضد حزب ''العمل'' عندما نجح مناحيم بيجين زعيم ''الليكود'' في تعبئة مشاعر اليهود الشرقيين ضد الامتيازات التي يحظى بها اليهود الغربيون تحت حكم حزب ''العمل'' من ناحية، وعندما نجح أيضاً في استثمار نتائج حرب أكتوبر التي شنتها الجيوش العربية عام ·1973 لقد كشفت تلك الحرب عن ترهل قيادة الدولة المتمثلة في حزب ''العمل'' وفتحت الباب لتوجيه انتقادات شديدة لهذه القيادة في مستوياتها السياسية والعسكرية على حد سواء فيما عرف بالتقصير (المحدال)·
إذن تحالفت عوامل الخلل الاجتماعي السياسي الداخلية مع عوامل التقصير العسكري في الإطاحة بالمكانة الراسخة والمنفردة لحزب ''العمل'' في مقاعد السلطة في الثورة الأولى، دون أن تؤثر هذه الثورة على استمرار اليهود الغربيين في قيادته الداخلية· يسجل الأسبوع الماضي تاريخ الثورة الثانية التي يتعرض لها حزب ''العمل'' عندما نجح ''عمير بيريتس''، اليهودي المهاجر من المغرب، في الإطاحة في الانتخابات الداخلية على زعامة الحزب، بشمعون بيريز آخر القيادات التاريخية ''الاشكنازية'' لحزب ''العمل''· جاء فوز ''عمير'' الذي تجسد ملامح وجهه الشرقية وشاربه الكثيف سمات اليهود الشرقيين، ليمثل صدمة واضحة لليهود الغربيين سواء كانوا في داخل حزب ''العمل'' أو في حزب ''الليكود'' الذي يدير الحكم اليوم بقيادة شارون على حد سواء· ذلك أن منصب رئيس الوزراء ظل محصوراً إلى اليوم في اليهود الغربيين سواء كان الحكم في يد ''الليكود'' أو في يد حزب ''العمل''· لقد فاز ''عمير'' بنسبة 42,3% من أصوات أعضاء الحزب مقابل 40% حصل عليها منافسه شمعون بيريز، وكان فارق الأصوات لصالح الأول 1526 صوتاً· ويلاحظ عند البحث في دلالة نتائج التصويت أن أصوات أعضاء حزب ''العمل'' من فلسطينيي 1948 كانت ذات أثر حاسم في فوز ''عمير'' المغربي· فلقد أعطى عرب 48 معظم أصواتهم لـ''عمير'' الذي زاد نصيبه من الأصوات العربية عن نصيب شمعون بألف وثمانمائة صوت عربي· إذن كانت كتلة التصويت المرجحة هي الكتلة العربية، أما كتلة التصويت من الأعضاء اليهود في الحزب فقد انقسمت بالتساوي تقريباً بين المتنافسين وإن جاء نصيب شمعون بيريز أفضل بفارق طفيف هو ثلاثمائة صوت يهودي· أما ''عمير بيريتس'' فقد جاء نصيبه من الأعضاء اليهود من جانب معظم اليهود الشرقيين في الحزب·
من هنا جاءت صدمة القيادات اليهودية الغربية في حزب ''العمل'' وفي حزب ''الليكود'' على حد سواء، فلقد سارت القاعدة السياسية إلى اليوم على أن يكون الرئيس في الحزبين الكبيرين من اليهود الغربيين على أساس أن رئيس الحزب يصبح رئيساً للوزراء في حالة فوز حزبه في الانتخابات العامة·
إن عدداً كبيراً من قيادات حزب ''العمل'' من اليهود الغربيين، ما زالت غير قادرة على التكيف مع صعود يهودي شرقي إلى قيادة الحزب، رغم مرور أسبوع كامل، غير أن المشكلة في أوساط قيادات ''الليكود'' المنافس تبدو مضاعفة· ذلك أن ظهور يهودي شرقي في القيادة الأولى لحزب ''العمل'' ينذر بانتزاع جمهور اليهود الشرقيين الذين اعتمد عليهم حزب ''الليكود'' في تكوين قاعدته الشعبية· لقد اندفع اليهود الشرقيون لتأييد ''الليكود'' منذ عام 1977 استجابة لشعاراته حول إعطائهم حقوقهم المهدرة من جانب قيادة حزب ''العمل'' الاشكنازية· أما اليوم فقد أصبح ''عمير بيريتس'' بملامحه الشرقية وبمواقفه المدافعة عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الضعيفة المكونة أساساً من اليهود الشرقيين، خطراً حقيقياً على ''الليكود'' ينذر بتحول اليهود الشرقيين إلى داعمين لحزب ''العمل''· إن فصلاً جديداً في التاريخ الاجتماعي السياسي لإسرائيل قد بدأ علينا أن نرصده·