دعك من المبالغات
التحليل الذي ورد في مقال ''جاسجيت سينج'' مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالهند، والمنشور يوم أمس الثلاثاء في ''وجهات نظر'' يحمل بعض المبالغة في الآثار الناجمة عن الاتفاق العسكري الأميركي- الياباني، وتداعياته على التوازن العسكري في القارة الآسيوية· صحيح أن الاتفاق يستهدف الصين، لكن من الصعب أن تغير اليابان سياستها الدفاعية التي لا تزال حيادية إلى حد كبير، خاصة وأن مستقبل آسيا لن يكون رهينة للطموحات العسكرية الأميركية· ومن ناحية أخرى لا تزال التوزانات العسكرية في شمال شرق آسيا مرتبطة بالحرب الباردة، وخير مثال على ذلك أزمة البرنامج النووي لكوريا الشمالية، فواشنطن لم تستطع حل هذه الأزمة عسكرياً، لأن التحالفات القائمة بين كوريا الشمالية والصين، والقائمة بين هذه الأخيرة وروسيا الاتحادية، جعلت من الخيار العسكري شبه مستحيل·
قدرات اليابان العسكرية لا تزال مقيدة، ليس فقط بسبب الدستور الياباني، بل لأنه ليس من صالح الولايات المتحدة أن تنشط اليابان عسكريا، فلا أحد يعرف ما إذا كان الشارع الياباني عرضة لظهور تيارات يمينية تعيد المشهد الآسيوي إلى أجواء الحرب العالمية الثانية·
من ناحية أخرى، لدى الصين أهداف واضحة أهمها تعزيز النمو الاقتصادي، والبحث عن دور خارجي فاعل، على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن ثم لدى العملاق الآسيوي رؤية أكثر وضوحاً وقوة من اليابان التي لا تزال أسيرة التحالف الأميركي· وإذا كانت اليابان قوة اقتصادية كبرى، فإن الصين قوة اقتصادية صاعدة، وقوة عسكرية طامحة في تبوئ مكانة عالمية· ومن ثم، فإن المبالغة في تضخيم الاتفاق الأميركي- الياباني، قد لا تقدم لنا صورة واضحة عن طبيعة التوازنات الآسيوية على الأقل في الوقت الراهن· ومن هنا أرى شخصياً أن الكاتب لم يسلم من المبالغة في توصيفه للتجاذب الاستراتيجي القائم في منطقة الشرق الأقصى، وفي عموم القارة الآسيوية· وليس معنى هذا طبعاً أن المقال لم يلمس موضوعات مهمة في المشهد الجيوبوليتيكي الآسيوي ولكن المنهج الموضوعي يقتضي الوقوف بالتحليل عند حدود موضوعية بذاتها لا تحمل الأشياء أكثر مما تحتمل·
سمير عزالدين- الشارقة