تم تنفيذ خريطة الطريق لأفغانستان التي رسمها المجتمع الدولي في بون في ديسمبر 2001 إلى نهايتها المقررة، حيث تم وضع دستور كما تم تنظيم انتخابين·· والآن يأتي دور الجزء الصعب·
ولكن، في الوقت الذي يبدأ فيه الكفاح من أجل مستقبل أفغانستان، نجد أن إدارة بوش تفكر على ما يقال في سحب الآلاف من قواتها هناك· ومن الصعب علينا أن نتخيل أن هناك فكرة أسوأ من هذه·
وإذا ما وضعنا خريطة الطريق التي أقرها مؤتمر بون جانبا، فإننا سنجد أن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي يواجه عقبات مألوفة في أفغانستان تتمثل في ثلاث مشكلات لا تنفصل عن بعضها بعضاً وهي: مشكلات الأفيون وأمراء الحرب والراديكالية الإسلامية والمتمردين·
فنحن نجد أن إنتاج الأفيون ازداد زيادة غير عادية منذ عام ·2001 وتشير بعض التقارير إلى أن تجارة الأفيون تساهم بما نسبته 60 في المئة تقريبا من الدخل القومي الإجمالي للبلاد· كما تشير تقارير أخرى إلى أن 90 في المئة من رؤساء الشرطة الأفغانية متورطون في حماية تجارة المخدرات· لذلك فإن أقل وصف يمكن أن توصف به جهود مقاومة إنتاج المخدرات التي تمت في أفغانستان حتى الآن هي أنها كانت ''مخيبة للآمال''·
أما من الناحية السياسية، فإن الأنباء الجيدة هي أن النساء الأفغانيات قد كسبن المزيد من المقاعد في البرلمان في الانتخابات التي جرت في سبتمبر الماضي (غير نسبة الخمسة وعشرين في المئة الممنوحة لهن بموجب المحاصصة الدستورية)· أما الأخبار السيئة فهي أن نصف عدد المقاعد في البرلمان سيظل في حوزة نفس أمراء الحرب القدامى، والشيوعيين القدامى، ونفس الإسلاميين المتشددين الذين ساعدوا على استكمال تدمير أفغانستان الذي بدأه السوفيت عام ·1979 من بين هؤلاء ''مولاي محمد إسلام محمدي'' المحافظ السابق لمقاطعة باميان الذي أشرف على عملية تدمير تمثالي بوذا التاريخيين و''أستاذ عبد الرسول سياف'' الذي تعتبره منظمة ''هيومان رايتس ووتش'' مجرم حرب· ومعظم هؤلاء لا يزالون يحتفظون بمليشيات مسلحة تقوم في أحيان كثيرة بالتنكر في زي الشرطة وتعمل أيضا في تجارة المخدرات·
والأمر الذي يؤكد أن الأوضاع القديمة يمكن أن تتكرر مرة ثانية هو التمرد المشتعل في الجنوب· فنظام ''طالبان'' لم يكن سوى التجسيد الأخير لانقسام موجود في المجتمع الأفغاني منذ قرن من الزمان بين الأقلية الحضرية المتمدينة وبين الأغلبية الريفية المحافظة· والتصريحات التي دأبت واشنطن على إعلانها سنوياً على مدى السنوات الأربع التالية بأن نظام ''طالبان'' قد انتهى هي تصريحات تنمُّ عن جهل عميق بطبيعة أفغانستان· فجماعة ''طالبان'' لم تنتهِ حسب تلك التصريحات، بل إن الهجمات التي تشنها قد ازدادت شراسة عاما بعد عام على مدار الأعوام الأربعة الماضية·
والآن نجد أن الأمر المثير للقلق والذي يستوجب الانتباه الشديد هو توافر أدلة على وجود صلة بين أرباح تجارة المخدرات الهائلة، وبين ''طالبان'' وبين الإرهاب الجديد المعولم· إن ما رأيته بصفتي مسؤولاً سياسياً في وزارة الخارجية الأميركية في مناطق القتال الموجودة على امتداد الحدود الباكستانية- الأفغانية قد أوضح لي بجلاء أن عناصر ''طالبان'' لا يقومون بشن ''هجوم'' ولكنهم يقومون بـ''مناورة دفاعية استراتيجية'' بهدف تعطيل حدوث تطوير ذي معنى في حزام قبائل البشتون في الجنوب عن طريق قتل أو تخويف أعضاء منظمات التنمية ودفعهم للمغادرة·
وفي نفس الوقت، فإنني أسمع كل يوم عن قيام عملاء ''طالبان'' بترك ما يعرف بـ''الخطابات الليلية'' في القرى· وهذه الخطابات التي هي في الحقيقة منشورات دعائية توجه عبرها جماعة ''طالبان'' تهديدات للقرويين تقول لهم فيها إن الأميركيين سيرحلون عما قريب وإن أعضاءها سيلحقون العقاب الشديد بكل من يقوم بالتعاون معم بمجرد رحيل جنودهم· وحتى الآن يمكن القول إن هذه الاستراتيجيات قد أثبتت جدواها إلى حد كبير والدليل على ذلك أن مستوى التقدم الذي حدث في الجنوب أقل كثيرا من مستوى التقدم الذي حدث في الشمال·
إن الأمل في تحقيق مستقبل أفضل لأفغانستان يبدأ بتوفير الأمن في المناطق الريفية، والتطوير التدريجي لحكم القانون خارج المراكز الحضرية· بيد أن المشكلة هي أن عدد القوات الأميركية الموجود حاليا في أفغانستان قليل ولا يمكنه توفير الأمن اللازم لهزيمة المتمردين، ولا للقضاء على تجارة المخدرات، واستئصال العصابات المسلحة، وتطوير قوات الشرطة، وهزيمة المتمردين·
علاوة على ذلك نجد أن واشنطن خلال السنوات الثلاث الماضية اهتمت أكثر بعدد الجيش الأفغاني أكثر من اهتمامها بكفاءته· ولذلك فإنه، وبدلا من القيام بسحب القوات الأميركية من أفغانستان كما يقترح البعض، فإن الولايات المتحدة في حاجة إلى نشر لواء كامل إضافي من قوات المشاة في مناطق القتال، مع تزويد هذا اللواء بعدد كافٍ من طائرات الهليكوبتر· ويجب على هذه القوات طبعاً أن تغير استراتيجيتها وتتحول إلى استراتيجية أخرى مجربة لمقاومة التمرد، تقوم على القيام بعدد أكبر من الدوريات مع مراعاة أن ي