بدأ الإرهاب في نيويورك وانتقل إلى مدريد ثم الدار البيضاء ثم طابا ثم شرم الشيخ ثم اسطنبول ثم الرياض ثم الكويت ثم الدوحة ثم لندن ثم بالي، وفي العراق كل يوم، وأتمنى أن يكون آخراً وأخيراً في عمّان عاصمة السلام· ففي يوم الأربعاء الماضي 9-11-2005 نفذ الإرهابيون عمليتهم القذرة في ثلاثة فنادق في عاصمة الأردن، راح ضحيتها 67 مدنياً بريئاً وأكثر من مئة جريح· لم يُقتل ويُجرح كل هؤلاء لذنب اقترفوه، وإنما فقط لأن الزرقاوي أراد أن يقتل ويدمر في عمّان، ففخخ أجساد ثلاثة رجال عراقيين انتحروا وقتلوا معهم من قتل وامرأة عراقية لم ينفجر حزامها المفخخ فتم القبض عليها وظهرت على شاشة التلفزيون أمام العالم لتعترف وتكشف عن تفاصيل جريمة زملائها·
إنهم يأتون من المجهول، فلا ندري من أية مغارة يخرجون أو في أي بيت مظلم يعيشون ثم يفجرون أنفسهم وينتحرون فيذهبون إلى المجهول! فهل يمكن لهؤلاء أن يعيشوا بضمير غير المجهول؟! ذلك الضمير الذي لا يجعلهم يشعرون بحجم الجريمة التي ينفذونها بقتل الأبرياء والآمنين!
أكثر ما يقلق في موضوع هذه العمليات الانتحارية أنها تؤكد أن تلك المجموعات والخلايا الإرهابية ما تزال قادرة على تجنيد أعداد جديدة من الشباب وما تزال ناجحة في التأثير عليهم ولفهم بأحزمة الموت الرخيص· وهنا مكمن الخطر الذي يجب التوقف عنده، فلماذا ما تزال طيور الظلام تمتلك أدوات التأثير على الشباب وتغسل أدمغتهم وترسل بهم إلى الموت بكل سهولة على الرغم من ادعاء كثير من دول العالم بمحاصرتها لهم والتضييق عليهم؟!
لقد صارت عادة عند الكثيرين أنهم عند الحديث عن الإرهاب يعملون جاهدين على وصفه وعرض نتائج عملياته القاتلة وقليلون هم الذي يتكلمون عن أسباب الإرهاب وطرق التخلص منه واستئصاله من العالم بأسره، الأمر الذي نحن بحاجة إليه·
هنا نتفق على أن منْ يقومون بتلك العمليات من إرهابيين ما هم إلا مجرمون يستحقون كل أنواع العقاب وليس أقساها فقط· ولكن يجب أن نعترف أن محيطنا العربي ومجتمعاتنا العربية تعاني من فراغ ثقافي حاد، ومن فراغ اجتماعي عميق، وأول من يتأثر بهذا الفراغ هم الشباب الأمر الذي يجعلهم عرضة لتلك الأفكار المتطرفة ويجعلهم وقودا مستمرا لتلك العمليات الانتحارية· وقد تكون الأسباب المادية والاقتصادية أحد أسباب استمرار تفريخ تلك الجماعات لانتحاريين جدد، ولكن السبب الأهم هو الفراغ الثقافي والاجتماعي والنفسي أيضاً؛ فالكثير ممن ينضمون إلى تلك الجماعات يتميزون بوضع اقتصادي جيد ومستقر· ويبقى السبب الأول هو الذي يجب التركيز عليه وتحليله وخصوصا بعد أن صارت الثقافة بلا قيمة، وصار أغلب المثقفين العرب مفلسين وخاوين لا يقنعون أنفسهم ولا بعضهم بعضاً، فهل يستطيعون أن يقنعوا شباب الجيل الجديد بأفكار ومبادئ تحميهم من التورط مع تلك الفئات الضالة؟
في ظل نشاط وسرعة حركة الفكر المتطرف الذي يسعى أصحابه إلى غرسه في عقول الشباب الصغار في المدرسة والحي والنادي وغيرها من الأماكن، التي تضم شريحة عمرية من شباب يعانون من سطحية التفكير وضحالة المعلومات وقلة الوعي التي يقابلها عاطفة قوية وجارفة لحب الدين والوطن، وكل هذه الأمور تجعل من مهمة صانع الانتحاري سهلة وميسرة·
الحكومات العربية مقصرة أيضا وتتحمل جزءا من المسؤولية؛ ففي الوقت الذي تبذل فيه جهودا كبيرة وتصرف مئات الملايين لمكافحة المخدرات، فإنها لا تتعامل مع الفكر الإرهابي بالمستوى نفسه من الاهتمام، على الرغم من أن الإرهاب والفكر المتطرف أخطر من المخدرات؛ فإذا كان المدمن على المخدرات يذبل ويحترق ويموت وحيداً في دورة مياه أو في سيارته أو في غرفة معزولة في المستشفى، فإن الإرهابي والانتحاري لا يموت إلا ويحصد معه عشرات الأرواح البريئة ومئات الجرحى بالإضافة إلى أنه غالباً ما يؤثر على الوضع الاقتصادي والأمني للبلد بأكمله··· وهنا نتساءل أين الخطط العربية لمحاربة الإرهاب؟
كم عملية إضافية سينفذها الإرهابيون حتى يصل العالم إلى نقطة الانطلاقة الحقيقية والجادة لمكافحة الإرهاب مكافحة علمية وعملية ومنظمة بعيداً عن ردود الأفعال والانفعال؟!··· وكم ضحية أخرى يجب أن تدفع روحها ثمناً لجنون الإرهابيين حتى يتفتق ذهن العالم عن حل واقعي وملموس لهذه المصيبة التي أطلقها بن لادن وتبناها بعض الذين تعودوا على القتل والتدمير والتخريب، وصار ينفذها المخدوعون والمغسولة أدمغتهم؟! أتمنى كما يتمنى كل إنسان حر في هذا العالم ألا يطول الأمر كثيرا، فالحالة صارت صعبة·
هناك نقطة جوهرية لا يمكن تجاهلها اليوم وهي أنه من المفترض ألا يدعي البعض رغبته في انتهاء كابوس العمليات الإرهابية إلا بعد رفض الإرهاب كمبدأ لا كما يفعل كثير من العرب والمسلمين - وحتى بعض الغربيين- حيث ينددون بالإرهاب في مكان ويعتبرونه جريمة وفي مكان آخر يقبلونه ويطلقون عليه ''مقاومة'' و''جهادا''! فإذا وقعت عملية في بلد عربي اعتبره البعض جريمة، وإذا وقعت في بلد غربي اعتبروها جهادا ورد اعتبار· وهذا تناقض وازدواج في ا