من أهم دلالات التفجيرات الإرهابية التي شهدتها عمان الأسبوع الماضي، أن العراق الذي تشكو حكومته ويئن شعبه من ''تصدير'' الإرهابيين إلى أراضيه من بعض الدول المجاورة، قد يصبح هو نفسه بؤرة تصدير للإرهاب إلى الدول المجاورة، ما يعني تجاوز الحدود العراقية إلى ما وراءها وامتداد العمليات الإرهابية إلى مدن وعواصم أخرى، عربية أوغير عربية، لزعزعة الاستقرار وبث الرعب في النفوس، ووقف خطط التنمية، و''هدم المعبد فوق رؤوس الجميع'' على سبيل الانتقام!
وكلنا نذكر تصريحات عدد من المسؤولين العراقيين وهم يؤكدون كل يوم تقريبا أن معظم الإرهابيين الموجودين في العراق جاءوا إليه من خارجه· وإذا كان صحيحا ما أعلنه مستشار الأمن القومي العراقي من أن ''تسعة من كل عشرة إرهابيين يتسللون إلى العراق من الأراضي السورية'' فهذا معناه أن الإرهاب في بلاده ''مشكلة مستوردة''، إذا جاز التعبير، ينبغي البحث عن حلول لها خارج الحدود·
وقد يكون صحيحا أن الإرهاب ''الوارد'' من خارج العراق يتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية عن الكوارث والمآسي اليومية التي يكابدها الشعب العراقي، وعن تعطيل العملية السياسية التي تستهدف تحويل العراق إلى دولة ديمقراطية محبة للسلام، تعيش في وئام مع جيرانها، وتلتف إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية للارتقاء بمستوى معيشة العراقيين، بدلا من الانشغال بمغامرات عسكرية للتوسع على حساب الجيران، لكن من الصحيح أيضا أن استمرار الأوضاع الراهنة داخل العراق من شأنه أن يسمح بتهديد أمن واستقرار دول مجاورة، لأنه إذا لم يتم الحفاظ على وحدة العراق واستقراره سينتهي الأمر بتفتيته، وساعتها ستكون النتائج كارثة والبدائل بالغة السوء والخطورة، ولن يضمن أحد أن يبقى ''الحريق'' محصورا داخل الأراضي العراقية، بل من المحتمل أن يمتد إلى خارجها، وعندئذ ستفتح أبواب الجحيم، ولن يكون أحد ربما في الشرق الأوسط كله بمأمن من الآثار الناجمة عن نيران هذا السيناريو المرعب·
ولكي يمكن تفادي تحويل العراق إلى بؤرة تصدير أعمال إرهابية انتقامية، يجب أن تجد أزمته حلا سياسيا وليس أمنيا فقط، ومن هنا تنبع الأهمية القصوى للاستفتاء على الدستور الذي أجري الشهر الماضي بالرغم من أحداث العنف، وعلى نفس القدر من الأهمية تأتي الجهود المبذولة لتوسيع العملية السياسية في العراق بحيث ينضوي تحت لوائها كل أطياف الشعب العراقي· وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى الاجتماع التحضيري لمؤتمر الوفاق والمصالحة العراقية المقرر عقده في القاهرة بعد بضعة أيام، بقدر ما يتعين الترحيب به، بل وتقديم كل دعم ممكن لإنجاحه، ودفع كل خطوة في اتجاه توحيد قوى الشعب العراقي وإنهاء مأساته وتخليصه من الاحتلال والتدخل الأجنبي حتى يتفرغ لبناء مستقبل آمن لأجيال قادمة·