تطوع ''مهيار''، وهو معيل لأسرته وأكبر أبنائها في الحرب العراقية- الإيرانية عندما كان في السابعة عشرة من عمره· وبعد الحرب مات ''مهيار'' في شوارع طهران التي كان قد جاء إليها للعلاج من آثار أسلحة صدام حسين الكيماوية· وهكذا فإن أمه التي كان لديها أمل في أن تراه بخير بعد أن انتهت الحرب، لم تواتها الفرصة كي تودعه إلى مثواه الأخير· والآن تقوم ''أم مهيار'' من حين لآخر بزيارة تقطع فيها 186 ميلاً بالسيارة من مدينتها لزيارة المقبرة الضخمة المقامة في جنوب طهران لـ''التحدث'' إلى ابنها· فبالنسبة للمحاربين القدماء لم تنتهِ الحرب العراقية- الإيرانية في أغسطس 1988 حيث نجد حتى الآن أن حياة الأشخاص الذين أصيبوا جراء تعرضهم للأسلحة الكيماوية في تلك الحرب لا زالت تتعرض للخطر·
وخلال زيارة إلى مدينة ''رشت''، فكرنا - زوجتي وأنا- في القيام بزيارة إلى تلك المرأة، وخطر على بالي هناك أننا يجب أن نفعل شيئا من أجل الحيلولة دون نشوب صراع دولي آخر، لأننا قد عانينا الكثير، ولأنه لا أحد من أبناء الشعب الإيراني يريد أن يمر مرة ثانية بالأهوال التي شاهدناها خلال تلك الحرب·
إنني أتفهم تماما المخاوف التي تراود الغرب بشأن إيران· فالقادة الغربيون يعتقدون أن نظاماً مثل النظام الإيراني ليست لديه أية رحمة في التعامل مع مواطنيه المنشقين عنه، لن يظهر بالتالي أي قدر من التعاطف مع خصومة العديدين في العالم فيما لو امتلك قنابل نووية أو أسلحة دمار الشامل· لهذا السبب قمنا دائما بدعوة الحكومة الإيرانية لمراعاة حقوق الإنسان، واحترام حقوق معارضيها، حتى تتمكن من أن تحظى بالثقة والاحترام الدوليين·
بيد أنني أشعر في الوقت ذاته أن هناك رغبة من جانب القوى الكبرى في العالم لاستخدام موضوع حقوق الإنسان كحجة أو كعذر، لتنفيذ أجندة وأهداف محددة سلفاً، وأن الحكومة الإيرانية تساعد من دون الغرب - عن غير قصد- على تحقيق تلك الأجندة من خلال قيامها بانتهاك حقوق الإنسان واتباع سياسات خارجية غير ملائمة·
وفي الحقيقة أن المرء يسمع تلاعباً غريبا بالألفاظ من الجانبين بقصد تضليل الرأي العام· فالولايات المتحدة والغرب يتهمان إيران بمحاولة تطوير الأسلحة النووية، وإنهما - وبسبب عدم ثقتهما بالنظام الإيراني- يريدان أن يقضيا على الخطر في مهده خصوصا وأن هناك سببين يعززان شكوكهما: الأنشطة النووية الإيرانية التي استمرت 18 عاما، والشعارات الإيديولوجية التي ترفعها الحكومة الجديدة مثل أن ''المستقبل في يد الإسلام والثورة الإسلامية'' على سبيل المثال لا الحصر·
وإيران من جانبها تتمسك بحقها في امتلاك القوة والتقنية النووية· نحن نرى هنا إذن أن كل جانب يقوم بتعريف المسألة النووية من منظور مصالحه الخاصة· فالولايات المتحدة تزعم أن إيران لا يجب أن يُسمح لها أبدا بتخصيب اليورانيوم لأنها لو فعلت ذلك فستصبح أقرب من ذي قبل إلى إنتاج أسلحة نووية· وإيران ترد على ذلك بالقول إن تخصيب اليورانيوم ضروري للتقنية النووية الوطنية، ولاستقلال إيران·
وهناك طرف ثالث يرى أن الطرفين الإيراني والغربي يتحدثان عن موضوعين مختلفين تماما· الأول هو موضوع امتلاك التقنية النووية من أجل الأغراض السلمية· والموضوع الآخر هو امتلاك أسلحة نووية· وهما موضوعان يمكن التعامل معهما بشكل منفصل إذا ما تم تعريفهما بشكل واضح وإخضاعهما لإشراف دولي·
والخلط الحادث بسبب التلاعب بالألفاظ من قبل الجانبين يعرض السلام للخطر، ويزيد من احتمالات نشوء صراع دولي· وأنا لازلت مقتنعا بأن المعضلة الخاصة بتغيير موقف الحكومة الإيرانية تجاه الهموم الدولية يمكن أن تحل داخل بلدنا، من خلال المشاركة الفاعلة من قبل ''الإصلاحيين'' وغيرهم من المعنيين بشأن مصالحنا القومية· فهناك في طهران اليوم درجة عالية من الحساسية السياسية، ووعي اجتماعي متطور، وتقسيم أكثر للسلطات· وهناك إلى جانب ذلك شخصيات نافذة، ومؤسسات دينية تقليدية غير حكومية، واتحادات طلاب، ومنظمات مجتمع مدني، وهي مؤسسات قادرة كلاً داخل نطاق صلاحياته واهتماماته أن تمارس ضغطا على صناع القرار في إيران· وبالنسبة للملف النووي الإيراني، ينبغي، كخطوة أولى استبدال أعضاء فريق المفاوضين الإيرانيين بأعضاء آخرين أكثر واقعية وأكثر معرفة بالتطورات الحديثة على الساحة الدولية، ويجب على طهران أن تسرع في إجراء محادثات مع الولايات المتحدة حول هذا الموضوع·
كما يجب علينا أن نعمل على توسيع نطاق الديمقراطية في إيران، من خلال توسيع إطار المجتمع المدني· وفي هذه الحالة فإننا جميعا كإيرانيين سنكون مستعدين مهما كان الثمن لمواجهة الصعاب، والسجن، والحرمان، من أجل تطوير ديمقراطيتنا· وقيام الغرب في مثل هذه الحالة بشن هجوم عسكري، أو فرض عقوبات اقتصادية سيؤدي إلى تقويض أسس الديمقراطية في إيران، وسيجعل العنف الأصولي أكثر انتشاراً·
إن دعم الديمقراطية في إيران يجب أن يتم من خلال تقدير قيمة المجتمع المدني فيها وليس من خلال العمل العسكري والعقوبات الاقتصادية· وإذا