لقد كنت على خطأ، كما كان الجميع، قبل ثلاث سنوات عندما ذهبنا إلى العراق لإزالة ما قيل لنا وقتها وصدقناه عن طيب خاطر إنه أحد الأخطار المحدقة بأميركا والمتربصة بأمنها القومي· وللأسف بتنا نعرف اليوم أن العراق كان خاليا من أسلحة الدمار الشامل عندما زحفت قواتنا المسلحة على بغداد في 2003 وحتى المعلومات الاستخباراتية التي يفترض أن تتحرى الصدق ثبت أنها انحرفت عن الحقيقة سواء بسبب خطأ ارتكبته، أو بسبب تضليل متعمد لخدمة أجندة سياسية معينة· واليوم بعدما أتأمل الأحداث التي سبقت غزو العراق أرى أنه كان خطأ جسيما التصويت على قرار الحرب في الكونجرس سنة ·2002 لذا لا أجد بداً من الإقرار بالخطأ وتحمل مسؤوليتي كاملة محاولا التغلب على الصعوبات النفسية التي عادة ما ترافق عملية الاعتراف بالخطايا، خاصة إذا كنا نعرف أن هناك رجالاً ونساء لم تكن لهم يد فيما حصل وربما كان ذنبهم الوحيد أنهم يخدمون في القوات المسلحة الأميركية فزج بهم في معارك ضارية ليحاربوا بشجاعة وبطولة·
وإذا كان العالم في أمسِّ الحاجة إلى قيادة أخلاقية بزعامة أميركا، فالمعلوم أن ذلك لن يتحقق إلا باعتماد الصدق كقاعدة أخلاقية لتلك القيادة· ومع أن هذا الحديث قد يكون متأخرا عن أوانه بعدما وقعت الحرب وانكشفت الافتراءات، إلا أنه لا مفر من الاعتراف بالخطأ والإقرار بالزلات كجزء أساسي لا غنى عنه في عملية استعادة أميركا للقيادة الأخلاقية وترميم صورتها المشوهة، ثم إثبات أن أميركا تملك ما يكفي من الشجاعة لتصحيح مسارها وإعادة الأمور إلى نصابها· وبناء عليه فإنني أعترف بأن المبررات التي ساقتها الإدارة الأميركية للذهاب إلى الحرب كانت واهية، وبأن المعلومات الاستخباراتية كانت غير دقيقة· كما أن المعلومات التي كان يسمعها الشعب الأميركي من الرئيس بوش نفسه، ودفعتني شخصيا إلى تصديقها، ما كانت لتضللني لو عرفت مسبقا أنها تجافي الحقيقة·
وبالرغم من الأخطاء المتعددة التي ارتكبها جورج بوش برفقة كل من ديك تشيني ودونالد رامسفيلد والفشل الذريع الذي آلت إليه خططهم في العراق، مازالت الإدارة الأميركية تصر على غيِّها وترفض الاعتراف بأخطائها ما أدخل أميركا في دوامة لا متناهية من الخطوات المتعثرة على أكثر من طريق سواء تعلق الأمر بالفشل الدبلوماسي، أو عدم إرسال القوات الكافية وتجهيزها بالمعدات اللازمة، ثم غياب أية استراتيجية للسلام بعد الحرب· ونتيجة لهذه الأخطاء المتراكمة أصبح العراق عبارة عن ساحة تعمها الفوضى ويسودها العنف حتى بات يشكل خطرا يهدد استقرار المنطقة أكثر مما كان في السابق· ومع مرور الوقت تحول العراق إلى ملاذ آمن للإرهاب ينتهز الفرص لضرب أميركا ويتربص بنا الدوائر، وهو ما أفقد الولايات المتحدة مكانتها كقوة عالمية مهيبة الجانب· وغني عن البيان أن الحركات الإرهابية صارت أقوى من ذي قبل، وبخاصة في أجواء الفوضى وانعدام مؤسسات الدولة ما ساعدها على إعادة رص صفوفها وشحذ أسلحتها لرفعها في وجه الجنود الأميركيين والمدنيين الأبرياء·
بيد أن المسألة الأكثر إلحاحا اليوم ليست تلك المتصلة بالحالة المتردية في العراق، بل الأكثر من ذلك الخطوات الواجب اتباعها للخروج من الورطة· لقد بات علينا الإسراع في تدبر طريقة ننهي بها مهمة قواتنا دون التسبب في مهانتها وتحقق لنا النجاح· وعندما أقول النجاح في العراق فإنني لا أعني خلق دولة ديمقراطية على النموذج الأميركي، بل فقط خلق عراق ينعم بالاستقرار ويعتمد على موارده الذاتية، كما يتمتع بالحرية والانفتاح· هذا ولن يقدر للنجاح أن يرى النور في العراق ما لم يتم تبني خطة من ثلاثة أهداف أساسية تتلخص في تقليص التواجد الأميركي، وبناء القدرات العراقية، ثم حث باقي الدول على تحمل مسؤولياتها تجاه العراق والوفاء بالتزاماتها· وفي البداية يتعين محو الصورة الإمبريالية التي ظهرت بها أميركا في العراق بأن يغادر البلد كل المتعاقدين الأميركيين الذين استغلوا الاضطرابات في العراق كي يفوزوا بصفقات وأعمال تدر عليهم الأموال الطائلة· وإذا كان يعني ذلك مغادرة شركة هاليبرتون فعليها القيام بذلك على الفور ودون إبطاء، حيث من شأن عودة قطاع الأعمال إلى أيدي العراقيين أن يمنح الأمل بالمستقبل وبانبثاق دولة جديدة·
وبموازاة ذلك يتعين علينا أن نظهر عزمنا للعراقيين وللعالم على نحو واضح لا لبس فيه أننا لن نمكث طويلا في العراق، خصوصا أننا وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها العدد الكبير لقواتنا المرابطة في العراق يؤذي أكثر مما يفيد· وما إن يتم تشكيل الحكومة الجديدة بعد تنظيم الانتخابات في مطلع العام المقبل حتى يتعين علينا الشروع في إعادة نشر قواتنا داخل العراق تمهيدا لانسحابها نهائيا بعد استتباب الأمور ونجاح العراق في الاعتماد على نفسه· وفي الخطوة الثانية المكملة للانسحاب والمساعدة له يجب أن نبذل جهودا مضاعفة من أجل بناء القدرات العراقية وإخضاع القوات المحلية لبرامج تدريب مكثفة· ولإضفاء المصداقية على حسن نوايانا يجب وضع معايير موحدة لقياس مدى