عندما ينتهي الزرقاوي و''قاعدته'' ووحشيته والظلام الذي ينشره سيكون لدى نادية المغربي وأشرف الأخرس، العروسين اللذين تحول عرسهما إلى مأتم ومجزرة دموية على يد التوحش القاعدي، أولاد وبنات يتطلعون إلى مستقبل مشرق· عندما ينتهي الزرقاوي ويصبح صفحة بائسة في تاريخ العرب والمسلمين، سيكون كثيرون في مكان ما في قاعة سينما ما يشاهدون واحدة من رائعتي المخرج الشهيد مصطفى العقاد، ''الرسالة'' أو ''عمر المختار''· عندما تُطوى صفحته وصفحة ''القاعدة'' وما جرته علينا من بشاعات وهزائم، سيكون كثير من أحفاد الذين سقطوا ضحايا لدمويته في العراق، والآن في الأردن، شباباً يافعين تعلموا الدرس، واحتضنوا القيم والأخلاق والمروءة التي فاضت بها أرض هذه المنطقة وفي تاريخ ما كانت تصدر القيم الجميلة للعالم· في رقبة ''أمير الذباحين'' دم بريء يبدأ ولا ينتهي· في شوارع مدن العراق، وفي مساجدها، دم سيظل ينزُّ إلى أن تنزع هذه الصفحة التعيسة ويُلقى بها إلى مهملات التاريخ· ليست هذه مقاومة، إنها إرهاب تافهٌ رخيص ليس فيه أية قيمة من قيم الشجاعة ولا المروءة التي سادت أيام ما قبل الإسلام ناهيك عن أيام الإسلام وأخلاقياته· ليس للمجرم الذي يلغُّ بالدم البريء أية علاقة بمنظومة من القيم سبقت العالم في تسطير أخلاقيات الحرب عندما حرمت قطع الأشجار خلال الحرب فضلا عن تقطيع أطراف الرضع والناس الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الحروب الدونكيشوتية التافهة التي يجرجرنا إليها ''الزرقاويون'' و''الظواهريون'' و''البنلادنيون'' و''القاعديون'' كلهم·
من دون حروبهم الساذجة ما كان لأميركا أن تمتلك أعذار غزو أفغانستان واحتلال العراق وتحويل قضية فلسطين إلى قضية هامشية في المنطقة والعالم، وممارسة الاستعلاء الفاجر الذي تمارسه الآن· ومن دون حروبهم وإرهابهم الوحشي في طول وعرض العالم، الإسلامي منه قبل غير الإسلامي، في بالي، والدار البيضاء، والرياض، قبل أن يكون في نيويورك ولندن ومدريد، ما كان لصورة الإسلام والعرب أن تصبح ملاصقة للدم والقتل الأهوج الذي لا هدف له إلا القتل·
سياسة الغرب المتوحشة ضد المنطقة والتي لم تتوقف عن العنجهية منذ عقود الاستعمار التقليدي وحتى الآن تتطلب ''الرأي قبل شجاعة الشجعان''· تتطلب ''مقاومة'' شجاعتها في ذكائها وفي تجميع الأنصار في العالم كله مع القضايا العادلة، وليس تشتيتهم· تتطلب تفعيل العدل لأنه هو أساس النضال، وليس طمره وتشويهه بالدم البريء والقتل الأعمى· ماذا يتبقى للضحية من عدالة قضيتها إن هي انجرت وراء أساليب الجلاد وفاقت وحشيتها وحشيته؟ في وقت الشدة والحرب وتزايد توتر الظروف واستغلاق المدارك وإغراءات ممارسة ''المقاومات'' الغبية ينسى من يتشدقون بالنطق باسم الإسلام أن ''الشديد ليس بالصرعة ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب''· السقوط في إغراء الغضب يعني تسليم زمام المبادرة للخصم، والتنازل له، عند بلوغ التوحش مداه كما في المنطق الزرقاوي، عن علو كعب قيمة العدل التي هي رأسمال الضحية وأساس نضالاتها·
والمثقفون والكتاب الذين ''نظروا'' للزرقاوي وجماعته وبقية الجماعات التي ولغت في الدم العراقي البريء، وتصر على إشعال حروب الطوائف في بلاد الرافدين، يتحملون قسطاً وافراً من المسؤولية الأخلاقية في تضليل عموم الناس والرأي العام حيث النقمة والهزيمة العارمة تدفع الناس بعمومهم إلى البحث عمن ''يفش غلهم'' بأي طريقة· والسجال الذي دار ولا يزال يدور حول ''فهم دوافع الزرقاوي'' والظروف التي ''يجاهد'' فيها في العراق خلق غموضاً وخللا في الرؤية· فقد بدا وكأنه بالفعل هناك ولو احتمال بقبول وصف الجرائم اليومية التي تقترفها ''القاعدة في بلاد الرافدين'' ومن هو على شاكلتها من الجماعات الدموية بأنها ''مقاومة''· أية مقاومة هذه التي يسقط غالبية ضحاياها من الأبرياء العراقيين، الذين ينحرون على أساس طائفتهم في المقام الأول؟ أية مقاومة هذه التي ينظر لها منظرها الأكبر، ''الظواهري''، بمطالبتها بالانتقال إلى كل دول المنطقة، فتصغي له، ثم ترتكب أولى المجازر في عرس عربي مسلم بريء في عمان؟ والأكثر سخفاً في ذلك كله ما نسمعه من مثقفين ومبررين بأن العمليات الإرهابية الدموية التي طالت عمان المدينة الجميلة التي فتحت ذراعيها للاجئين ومطاردين من الموت من دول مجاورة هو ''نقل للمعركة باتجاه إسرائيل''!! أية معركة؟ معركة قتل المدنيين الأردنيين والفلسطينيين بعد ''معركة'' قتل العراقيين؟
أكثر ''خدمة'' تؤديها ''القاعدة'' لفلسطين هي أن تبقى بعيداً عنها وتتركها وشأنها· لا نريد لنصاعة عدالة قضية فلسطين أن تسقط وتتشوه على أيدي ''الزرقاويين والقاعديين''· يكفي ما تم تدميره من قضايا إلى حد الآن باسم ''الجهاد في سبيل الله'' على يد الذين تشوهت أفكارهم وأرواحهم فما عادوا يميزون بين الطفل البريء وغيره· الرصاصة التي تطيش من دون هدف تضرب أول ما تضرب عدالة قضية من أطلقها· لم يعد هناك أي التباس في انحطاط الأسلوب ''الزرقاوي/ القاعدي''، وهو م