الاستقرار الكاذب لدول الشرق الأوسط، بما فيها الدول العربية، يشهد الآن أكبر اختبار، فالأزمات الساخنة تتكاثر كالخلايا السرطانية، وتمتد بامتداد جغرافية الجسد العربي الواهن، فبعد أن كانت القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي ملفاً مقيماً في جلسات مجلس الأمن، وهماً عربياً دائماً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصداعاً عربياً دائماً، لكنه وحيد رغم بعض الأزمات هنا وهناك، تراجعت الآن القضية الفلسطينية لمراتب متأخرة في ملف الأزمات الساخنة الرئيسة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديداً، ودخلت ملفات عربية جديدة إلى ردهات مجلس الأمن، كما صحَت ملفات قديمة كان مسكوتاً عنها لعقود·
أصبح تدويل القضايا العربية حقيقة يتعايش معها أهل السياسة العربية، فتلاشى الحد الفاصل بين الشأن المحلي العربي والشأن الدولي، خاصة الشأن الأميركي المنغمس أكثر فأكثر في أوحال ومستنقعات المنطقة العربية، من القضية الفلسطينية والسلام الضائع في الشرق الأوسط، ومروراً بالهم العربي الجديد في العراق، وحتى محاربة إرهاب ''قاعدة'' بن لادن و''قاعدة'' الزرقاوي وغيرهما من السائرين على دروبهما، إذ إن انفجار أي ملف منها يخلق هزات ارتجاعية على المنطقة كلها؛ فالأوضاع العربية المتفجرة تخطت الحدود الجغرافية لتصدر أزماتها لدول الجوار الجغرافي ودول الهلال الخصيب، كما كان يطلق عليها، في مثال صارخ، على أن أحجار الدومينو تتساقط الواحدة تلو الأخرى·
إن غبار الانفجارات الانتحارية الثلاثة التي ضربت العاصمة الأردنية عمّان لم ينقشع بعد، ولملمة أشلاء الضحايا والإرهابيين هي جزء من صورة لم تكتمل بعد· العاهل الأردني الملك عبدالله أعلن ''أن شعبنا الأردني لن يقبل الابتزاز، وأنه لا يمكن للأعمال الإرهابية أن تدفعنا لتغيير مواقفنا وقناعاتنا الثابتة أو التراجع عن دورنا في محاربة الإرهاب''·
''غزوة الفنادق الأردنية الثلاثة'' التي تبناها تنظيم ''القاعدة'' في بلاد الرافدين، والتي نفذها، كما جاء في بيانه، عراقيون خرجوا من حدود العمليات في العراق إلى تنفيذ أولى العمليات الانتحارية بذات الأساليب المستخدمة في عملياتها في العراق، كان هدفها وقوع أكبر قدر من الإصابات، مدنيين أم عسكريين لا يهم، الأهم أن يتضاعف عدد الإصابات حتى تصبح الضربة أكثر إيلاماً· لقد كان الأردن الرئة التي يتنفس منها العراق في عقد التسعينيات، عهد العقوبات والحصار الأميركي، وكان قاعدة لدعم العراق· وحتى بعد سقوط النظام العراقي السابق، احتضنت عمّان من لجأ إليها من أسر كبار أركان النظام، وعلى رأسهم عائلة الرئيس المخلوع صدام حسين· ومع تعاظم الأزمة الأميركية في العراق، كان الدعم اللوجستي للحرب الأميركية في العراق نقطة فاصلة في التحالف الأميركي- الأردني، لكن ما هي انعكاسات جر الأردن بهذه الدموية للمستنقع العراقي؟ وكيف استطاع المنفذون اختراق الستار الحديدي الأردني لأحد أقوى أجهزة الاستخبارات العربية؟ وما هو الدور الأردني المنتظر في العراق بعد أن أصبح الأمن الأردني على المحك؟ التكهنات تشير إلى أن عبور الإرهاب إلى دول الجوار العراقي أصبح مسألة وقت فقط، ستُستهدف دول أخرى، وستُفتح جبهات جديدة، وسيكون العراق قاعدة لاستيراد وإعادة تصدير المقاتلين، لتوسيع رقعة الاشتباك؛ فالأردن أولاً، لكن من التالي؟
سوريا بلد الجوار الجغرافي تتعرض لضغوط متعاظمة من الولايات المتحدة شكلت فيها حادثة اغتيال الحريري القشة التي قصمت ظهر البعير؛ فثمة سخط لبناني شعبي قاد إلى لجنة تحقيق دولية، فقرارات دولية، وأصابع الاتهام الخفية تشير إلى تورط عناصر من دمشق·
كان انسحاب الجيش السوري أولى بوادر الطلاق السوري اللبناني، وهو انسحاب لم يطفئ شرارة الغضب الشعبي والرسمي المؤيد أو المعارض للوجود السوري في لبنان· سوريا ترى أنها مستهدفة من قبل الولايات المتحدة، وأن سيناريو عراق آخر آخذ بالتشكل بدءاً بالعقوبات الأميركية إلى المطالبة الأميركية على لسان أركان الإدارة الأميركية النظام السوري بالتغيير، فوزيرة الخارجية الأميركية ومن على منبر ''منتدى المستقبل'' لدعم الديمقراطية الذي انعقد في البحرين برعاية أميركية صرحت أن واشنطن تواصل دعم ما وصفته ''بآمال الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والعدل''· سوريا، التي فقدت موطئ قدمها في لبنان بقرار دولي، اختارت - كما جاء على لسان رئيسها بشار الأسد- أن تتمسك بالمبادئ ولن تساوم عليها، كما أوضح سلسلة من المواقف في خطاب له في جامعة دمشق اعتبر فيه أن التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري سياسي بامتياز· لكنه أكد في الوقت ذاته أن سوريا ستتعاون مع التحقيق، قائلاً:''سنسير معهم في لعبتهم''· وشن الرئيس السوري هجوماً كلامياً عنيفاً على الحكومة اللبنانية، قائلاً: إن لبنان تحول مجدداً إلى مركز للمؤامرات ضد سوريا، وإن الشعب اللبناني سيسقط هذه المؤامرات·
من الواضح أن دمشق تتعرض لضغوط متعاظمة من واشنطن التي لجأت لتدويل ملف