كشفت أعمال العنف التي اجتاحت ضواحي بعض المدن الفرنسية في الفترة الأخيرة عن هشاشة النموذج الذي طالما تباهى به الغرب في أنه مجتمعات ديمقراطية، تراعي حقوق الإنسان، وتسود فيها المساواة والحريات العامة إلى آخر الأسطوانة· الآن اكتشفنا لأول مرة أن هنالك أحياء فقيرة جداً في فرنسا تعيش في أطراف المدن البراقة كمدينة باريس! وعرفنا أن المساواة في الفرص غير موجودة في الأساس، بالدرجة التي كنا نعتقد· وقبل فرنسا رأينا آلاف الزنوج الأميركيين الذين يعانون من الفاقة في نيوأورليانز· والحاصل أن وضع المهاجرين، والأقليات الملونة في الدول المتقدمة هو وضع يختصر كل صنوف المعاناة والفقر والبؤس والتشرد، على نحو يجعل المرء يفكر في أنه كان أفضل لهؤلاء البقاء في أوطانهم الأصلية على رغم فقرها وبؤسها· وإلا فما الفرق بين حياة الفاقة في الوطن ومثلها في الغربة؟ الفقر في الوطن أفضل بكل تأكيد· أما حقوق الإنسان والمساواة وغير ذلك من عناوين فضفاضة، فقد تبين الآن بالدليل القاطع أنها مجرد شعارات للاستهلاك المحلي! وإلا فكيف يمكن أن تكون الديمقراطية والحرية والمساواة في الفرص وسيادة دولة القانون حكراً على فئة معينة من المجتمع ثم بعد كل ذلك يوصف هذا المجتمع بأنه ديمقراطي؟ أية ديمقراطية هذه؟ ثم ما الفرق بين الدول المتقدمة والدول التي توصف بأنها متخلفة أو ديكتاتورية إذا كان الجميع في الهم شرقاً كما يقال؟ لا أريد النكاية أو التهجم على أحد ولكن واقع الحال يقول إن الدول المتقدمة بعد اليوم لم تعد في موقف أخلاقي يسمح لها بتدبيج تقارير حقوق الإنسان في نهاية كل عام وتصنيف هذه الدولة أو تلك على أنها تنتهك حقوق الإنسان· لم نعد نريد دروساً من الدول الغربية، بل نريد فقط أن يهتم كل بنظافة الجانب الذي أمام بيته من الشارع، وأن تهتم الدول الغربية بحدائقها الخلفية الداخلية، وبعد ذلك تتكلم عن حقوق الإنسان لدى الآخرين·
محمد أحمد عليوة - الشارقة