يوم الثلاثاء الموافق الثامن من نوفمبر الجاري، عقدت عدة انتخابات لاختيار حكام الولايات في أنحاء شتى من الولايات المتحدة الأميركية· غير أن البيت الأبيض لم يكن سعيداً بنتائج تلك الانتخابات· فقد فاز ''الديمقراطيون'' بمنصب الحاكم في اثنتين من الولايات المهمة هما: نيوجيرسي وفرجينيا· أما في ولاية كاليفورنيا، فقد كان حاكمها ''الجمهوري'' أرنولد شوارزينجر قد تقدم بأربع مبادرات إصلاحية خلال حملة انتخابات استثنائية عقدت في الولاية، بهدف تعزيز موقفه أمام المجلس التشريعي في ولاية كاليفورينا· الذي يسيطر عليه ''الديمقراطيون''· إلا أن تلك المبادرات الأربع باءت بالفشل الذريع، مما أفقد الحاكم ''الجمهوري'' شعبيته إلى حد كبير، وأضعف موقفه وموقف حزبه في أكبر ولاية أميركية على الإطلاق· ولم يحظ ''الجمهوريون'' بأداء انتخابي جيد، إلا في مدينة نيويورك فحسب، جراء إعادة انتخاب عمدتها الحالي مايكل بلومبيرغ، وفوزه بأغلبية ساحقة على منافسيه· لكن وحتى في هذه الحالة، فإن المعروف عن بلومبيرغ أنه شديد الليبرالية والاستقلالية، وأنه ما كان له مطلقاً أن يحقق هذا الفوز لو أنه ترشح بصفته ''جمهورياً'' مثل بقية ''الجمهوريين''· وعليه، فإن نتائج الانتخابات الأخيرة هذه، ستضيف تحديات جديدة إلى قائمة التحديات الكبيرة التي يواجهها سلفاً الرئيس جورج بوش خلال ولايته الثانية هذه· والمنحى السائد الآن هو أن قليلاً جداً من الوقت قد تبقى للرئيس كي يترك بصماته على السياسات الأميركية الداخلية، وأن نجاح فترة حكمه، ظل عالقاً على مدى النجاح الذي يمكن أن تحرزه سياساته المتبعة في العراق·
والمشكلة أن العراق ظل على عنفه وتصاعد وتائر دمويته، لا سيما بعد أن سجل شهر أكتوبر المنصرم، أعلى معدلات الضحايا والقتلى بين الجنود الأميركيين خلال العام الحالي· وبسبب انحسار وتراجع التأييد الشعبي الأميركي للحرب، تجد الإدارة نفسها أكثر فأكثر، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإعلان عن انسحاب مبكر من العراق، أو تبني استراتيجية جديدة لإعادة نشر القوات، عقب الانتخابات العراقية المقرر إجراؤها في شهر ديسمبر المقبل· والشاهد أن أكثر الأفراد والجماعات تأييداً للحرب، باتت على قناعة اليوم بضرورة الإعلان عن جدول زمني يتم بموجبه تخفيض عدد القوات الأميركية الموجودة في العراق بنسبة كبيرة وواضحة· بل هناك من أصوات النقد التي تعلو شيئاً فشيئاً، مطالبةً بإعلان انسحاب أميركي أحادي الجانب من العراق بأسرع ما يمكن· ولكن الذي فات على الكثير من النقاد هو أنه لا مناص لأميركا من أن تنسحب أو تخفض وجودها العسكري الكبير الحالي في العراق· غير أن ذلك لا ينفي حقيقة استمرار وجودها العسكري الكثيف في المنطقة، خاصة في الدول الخليجية الأصغر حجماً· والشاهد أن هذه الدول صارت أكثر دعماً وتأييداً للولايات المتحدة، بل وأكثر اعتماداً عليها، منذ الغزو العراقي للكويت في عام ·1990
ولذلك فإن إحدى أهم قصص نجاح الغزو الأميركي للعراق- وهي مما لم يكشف النقاب عنه بعد- هي ما أحرزته واشنطن مع هذه الدول عبر سلسلة من ترتيبات التعاون الأمني معها، في عدد من القضايا والمصالح المتبادلة والمشتركة· وسوف يكون لهذا الوجود الأمني العسكري الأميركي في دول الخليج، دور أكبر فيما لو واصلت طهران برامجها النووية، وتمكنت من تطوير وتصنيع صواريخ متقدمة، من شأنها أن تشكل تهديداً أمنياً وعسكرياً واضحاً لمنطقة الخليج العربي والمنطقة العربية بأسرها· وفي حين لا يزال أمام الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين والإقليميين، الكثير مما يمكن فعله لردع طهران ولجمها، إلا أنه لا مناص في الوقت ذاته، من الخوض في تفاصيل الترتيبات الأمنية الدفاعية العادية، التي تتبعها كافة الدول في حال تعرضها لتهديدات خطيرة كهذه· ويصدق هذا في الحالة الخليجية التي نتحدث عنها، أكثر ما يصدق، على الترتيبات الدفاعية الأمنية البحرية، فضلاً عن إنشاء الدفاعات اللازمة في وجه الخطر الذي تمثله برامج الصواريخ المتقدمة في الجارة إيران·