بدت قضية التضخم في الدولة، تصبح مشكلة جديدة معقدة، لها حلقات مفرغة يصعب الخروج منها، شبيهة بمشكلات محلية أخرى مثل التركيبة السكانية أخذت حظا وافرا من ''التنظير''، من دون أن يتبلور ذلك إلى خطط وسياسات وقرارات تجد طريقها إلى التنفيذ· وقد خرجت إحدى المؤسسات المحلية لتؤكد أن تقديراتها الخاصة تضع معدل التضخم في الإمارات ما بين 15- 20% خلال النصف الأول من العام، بينما ظهرت خلال الفترة الماضية العديد من التقديرات التي تضع التضخم في الإمارات ما بين 8- 12%، فيما توقعت وزارة الاقتصاد والتخطيط أن تصل الزيادات المتلاحقة في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية الضرورية، منذ عام ،2001 إلى 35% مع بداية العام المقبل، وجميع هذه النسب تختلف كثيرا عن ''تقديرات'' مصرف الإمارات المركزي للتضخم التي تراوح ما بين 5,5- 6,5% لهذا العام، وبما ينسجم مع ''تقديرات'' صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير حول أداء الاقتصاد العالمي، والذي يتوقع نمو أسعار المستهلك في الإمارات بنحو 6% هذا العام، بينما سبق وتوقع الصندوق نفسه في تقريره نصف السنوي حول مستقبل الاقتصاد العالمي في إبريل الماضي استقرار التضخم في الإمارات للعامين الجاري والمقبل عند حدود 1,9%·
إن غياب مؤشر ''قومي'' دقيق لقياس ظاهرة التضخم في الدولة يمكن الاعتماد عليه في اتخاذ السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية اللازمة لمواجهة خطر التضخم، نتيجته الحتمية هذا التضارب والتباين الكبير في ''التقديرات'' الرسمية وغير الرسمية بشأن ظاهرة مستفحلة لها عواقبها الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة على المدى البعيد· حفاظا على الإيقاع التنموي المتسارع الذي تسير عليه الإمارات حاليا، وخروجا عن دائرة التخمينات والتقديرات السنوية لمؤشر مهم يتغير على مدى اليوم والأسبوع، فإن الجهات المختصة في الدولة مطالبة بالتحرك لتأسيس مؤشر ''قومي'' دقيق للتضخم يعكس التغير الشهري في مستويات الأسعار صعودا وهبوطا، بما يكفل تعزيز قدرات اتخاذ القرار السليم ورفد خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية· وفيما يلاحظ أن العديد من الوزارات والدوائر الحكومية، بل والشركات والمؤسسات الكبرى، تسعى باستمرار لتوفير البيانات والإحصاءات التي تحتاجها حول تغيرات أسعار المستهلك من خلال جهودها الفردية الخاصة، هناك حاجة لتجميع وتنسيق وصهر هذه الجهود، للوقوف على ''حقيقة'' التضخم في الدولة، ومن ثم التحرك من خلال العديد من الوسائل والطرق الفنية الاقتصادية والمالية، لكبح جماحه، والعودة به إلى مستوياته الطبيعية أو على الأقل تأكيد الحقيقة في هذا المجال· فالتصاعد الكبير في الإيجارات السنوية التي ارتفعت بنحو 40% في بعض مناطق الدولة هذا العام، وزيادة أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية، والضغوط المتزايدة على الطلب المحلي، وانخفاض قيمة العملة المحلية المرتّبة بالدولار، ستؤدي جميعها إلى تعرّض مؤشرات أسعار المستهلك إلى ضغوط تصاعدية كبيرة، خلال المرحلة المقبلة، بما يهدد الازدهار الاقتصادي الذي تشهده الدولة، بفضل أسعار النفط المرتفعة، وبما يضعف من جاذبيتها كمركز للأعمال والاستثمارات الأجنبية والسياحة في المنطقة·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae