عقد في مدينة ''مار دل بلاتا'' الأرجنتينية مؤتمر قمة لرؤساء دول وحكومات القارتين الأميركيتين حضره 33 رئيساً· بدأ المؤتمر أعماله يوم الجمعة الموافق 4 نوفمبر ،2005 ومن بين الحاضرين رئيسا كل من الولايات المتحدة جورج دبليو بوش، وفنزويلا هوجو شافيز اللذان يعتبران مناوئين لبعضهما بعضاً في الآراء والأفكار والتوجهات· وفي إطار ذلك، فقد طغت على أعمال المؤتمر توترات ومواقف حادة هدفها الاستقطاب الدولي بين رئيسي دولتين تفرق الواحدة منهما عن الأخرى في كل شيء تقريباً، وعلى صعد مختلفة، أهمها أن الولايات المتحدة هي القطب الدولي الوحيد الذي بقي في هذا العالم وله تأثيره على السياسة الدولية بشكل يكاد يكون غير محدود، في نفس الوقت الذي تعتبر فيه فنزويلا إحدى دول العالم النامي التي لا تزال تبحث عن مستوى معيشة أفضل لشعبها رغم أنها دولة منتجة للنفط منذ أمد طويل·
إن الاختلاف في وجهات النظر بين الرئيسين، وبالتالي الدولتين، عميق جداً ويعود إلى جذور الفكر الذي يحمله كل منهما تجاه تنمية القارة الأميركية الجنوبية· ومن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي يتضح أن لديه نظرته الخاصة تجاه القارة الأميركية الجنوبية، فهو يرى أن يتم بناء الرفاهية والاستقرار للقارة عبر تبني الاقتصاد الحر ضمن إطار مقولات العولمة الاقتصادية· لقد حاول الرئيس بوش الدفع بمنظومته التنموية هذه عندما تحدث إلى رؤساء الدول الذين شاركوا في القمة· وبرغم أن الحضور قابلوا خطابه بالتصفيق الحار إلا أن العديد من المتخصصين في شؤون القارتين الأميركيتين يشككون في تقبل العديد من رؤساء الدول المشاركة للأفكار التي طرحت·
ويقابل ذلك أن للرئيس هوجو شافيز، مواقفه الخاصة تجاه الولايات المتحدة فيما يتعلق بالسياسة والاقتصاد وتنمية المجتمع· وفي سياق ذلك يعتبر البعض من دارسي الأميركتين، هوجو شافيز بأنه فيدل كاسترو القرن الحادي والعشرين، الذي يعمل جاهداً على نشر أفكاره الخاصة تحت مظلة واسعة تسمى بالاشتراكية الحديثة أو اشتراكية المستقبل· وباستخدام الإمكانيات المتوافرة لديه معتمداً على دخل بلاده من ريع النفط لدعم أفكاره ووجهات نظره، يحاول الرئيس الفنزويلي تقديم البديل لما يقدمه الرئيس الأميركي من طرح رأسمالي قائم على العولمة الاقتصادية·
يقول الرئيس شافيز إن طريق الخلاص لشعوب أميركا الجنوبية يقوم على التدخل الكثيف من قبل الدولة في الاقتصاد والإنفاق الاجتماعي· وفي سياق ذلك، فإن الدمج الاقتصادي بين دول القارة يعني إغلاق أسواق أميركا الجنوبية بالكامل أمام ''العملاق الإمبريالي'' القابع إلى شمالها· ولو تمكن شافيز من إقناع بقية رؤساء دول القارة الأميركية الجنوبية بأفكاره، فإن رحى المعركة ستدور حول النماذج الاقتصادية والأفكار المرتبطة بها، وسيحدد ذلك مسار العلاقة بين الطرفين·
وبذلك فإن شافيز عبر عن نفسه بشكل واضح بأن هدفه من حضور القمة هو التصدي للمقترح الخاص بإقامة منطقة تجارة حرة بين الأميركتين بشكل كامل ونهائي، وهو المقترح الذي تنادي به الولايات المتحدة وتدعمه بكامل ثقلها· إن هذا النوع من الخلافات العميقة هو الذي ساد أثناء أعمال المؤتمر، حيث نجح شافيز في تعطيل المقترح الأميركي·
ويميل العديد من المراقبين لأوضاع القارتين، إلى أن جل الجماهير الأميركية الجنوبية مترددة تجاه القبول بالأطروحات التي تدعمها الولايات المتحدة لتطبيق أنموذج الاقتصاد الحر بصيغته الأميركية في أوطانها، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول الرأسمالية القوية· وربما يعود السبب في ذلك إلى أن هذه الجماهير تمر منذ عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية بموجات عارمة من معدلات الفقر المدقع والبطالة والفساد الاقتصادي والإداري، وتجارة المخدرات وعدم الاستقرار السياسي ومعدلات الوفيات، إلى ذلك من أسباب التخلف التي يربطونها بتطبيق الأنموذج الرأسمالي في أوطانهم، لذلك فإنهم يبحثون عن بديل، فهل يصبح ذلك البديل هو ما ينادي به هوجو شافيز من فكر اقتصادي جديد؟