ملاحظات ضرورية
جاء في عمود الكاتب محمد خلفان الصوافي ''المحلل الشامل'' الذي نشرته ''وجهات نظر'' في عددها ليوم الثلاثاء 9 نوفمبر الجاري، أن الصلة مقطوعة تماماً بين النقد الفني بأفرعه السينمائية والموسيقية والغنائية وغيرها، وبين التحليل السياسي الرصين· ومع ما في هذا الطرح من وجاهة إلا أن الوجهة العامة لمحتوى المقال، هي الاعتراض على الزج بالنقد الفني إلى صفحات الرأي، التي هي ذات طبيعة سياسية تحليلية في الأساس· ومن هنا فقد حمل الكاتب على بعض المحللين السياسيين العرب، بسبب تحولهم بين عشية وضحاها إلى نقاد فنيين، من شاكلة ما نشر من نقد انطباعي لبعض نماذج الدراما الخليجية خلال شهر رمضان، في عدد من صفحات الرأي العربية· وما أود قوله تعقيباً على هذه الآراء، هو أنه ربما يكون بعض الذين تناولوا نماذج الأعمال الدرامية المذكورة وغيرهم، على صلة بالفن والنقد الفني، وأنهم لم يتحولوا بين عشية وضحاها إلى نقاد فنيين من الفراغ· كما أن الحديث عن قطيعة تامة بين النقد الفني والتحليل السياسي، ربما لا يكون محل إجماع هو الآخر، بدليل أن بعضاً من أبرز النقاد والفنانين الأوروبيين، قد انطلقوا من خلفيات سياسية واضحة، كما هو حال جورج برناردشو مثلاً الذي يعد من أبرز النقاد الفنيين والسياسيين لعصره· هناك إذن الكثير من الأدلة التي يمكن سوقها لتأكيد التداخل والتشابك بين المعارف والعلوم الإنسانية المختلفة· ولكن ما أتفق معه دون أدنى تحفظ مع كاتب المقال، هو نقده لابتذال مهنة التحليل السياسي وصفة ''المحلل السياسي'' عموماً في الفضائيات والصحافة العربية· وفي كثير من الأحيان تسبغ مثل هذه الألقاب على جهلة لا صلة لهم بالمعرفة ولا التحليل ولا السياسة! كما أتفق مع الكاتب في النقطة الرئيسية الأهم التي اعترض عليها، وهي أن النقد الفني والأدبي ليس محله ''صفحات الرأي'' التي لا يمكن لها أن تكون بديلاً للمجلات والصفحات والملاحق الفنية الثقافية المتخصصة بأي حال من الأحوال· وما أن تتحول هذه الصفحات إلى منبر للنقد الفني، حتى يضيع التحليل السياسي والفني معاً، حيث لا يكون الناتج أكثر من انطباعات فنية مشحونة بنبرة سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع·
النور بابكر الشريف
أم درمان-السودان