تكشف الاستعدادات الخاصة بمواجهة أنفلونزا الطيور - تماما مثلما كشفت الاستعدادات السابقة لمواجهة الإعصار كاترينا- عن ضعف واضح في أداء الحكومة الأميركية· فالسلطات التنفيذية والتشريعية والحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، تقوم كل منها الآن بمحاولات حثيثة للتهرب من هذه المشكلة وإلقاء مسؤوليتها على عاتق الجهات الأخرى· وفي ظل هذا المناخ تجد جماعات الضغط فرصا عديدة لإرباك السياسات وشلها· ويحدث كل هذا دون أن تقوم تلك الحكومة بالشيء المهم وهو إجراء الاستعدادات اللازمة لمواجهة أنفلونزا الطيور مما يجعل الشعب الأميركي يفقد الثقة بها أكثر مما هي مفقودة فعلا·
كي نتأكد من صحة ذلك، علينا أن نتناول جانبا واحدا من جوانب الورطة التي تواجهها الإدارة فيما يتعلق بالاستعدادات اللازمة لمواجهة أنفلونزا الطيور، وهو ذلك المتعلق بالمهمة الخاصة بتخزين كميات كافية من العقار الواقي من هذا المرض، والذي يمكن أن ينقذ حياة الملايين، وهو عقار تاميفلو Tamiflu فهنا نجد أن الإدارة الأميركية قد وقفت حائرة أمام المشكلة التقليدية الخاصة بحقوق الاختراع أو حقوق الملكية الفكرية· فهي لا تعرف حتى الآن ما إذا كانت ستقوم باحترام حقوق الاختراع الخاصة بشركة ''روش'' Roche التي تقوم بتصنيع عقار ''تاميفلو'' بما يوفر الدافع لشركات الأدوية الأخرى للقيام بتطوير عقاقير جديدة لمعالجة الأمراض التي قد تظهر مستقبلا·· أم تقوم بدلا من ذلك بممارسة الضغط على الشركة، لإجبارها على التخلي عن حقوق الملكية الخاصة بها كي تتمكن هي - أي الحكومة- من تخزين الكميات الكافية من العقار المذكور وتوفيره بأسعار رخيصة؟
والإدارة الأميركية تقف حائرة أمام هذا السؤال، في الوقت الذي نجد فيه أن دولا أخرى قد توصلت إلى إجابة واضحة له· فدولة مثل ''تايوان'' تقول بكل وضوح إنها ستقوم بتصنيع نسختها الخاصة من عقار ''تاميفلو''، وإنها لن تأبه بموضوع حقوق الاختراع·· وهناك دول أخرى مثل الهند وتايلاند والأرجنتين، قد أعلنت نيتها تصنيع العقار بنفسها في حالة أي انتشار وبائي للمرض· وعكسا لذلك عملت دول أخرى على شراء عقار ''تاميفلو'' من شركة ''روش'' مباشرة وتخزينه· ففرنسا على سبيل المثال توجد لديها حاليا كميات من هذا العقار تكفي لعلاج 24 في المئة من سكانها، كما أن بريطانيا أعلنت أنها ستصل إلى هذا المستوى عما قريب· بيد أنه ينبغي التأكيد هنا على نقطة مهمة، وهي أن الإجراء المتعلق بشراء العقار من الشركة المصنعة له مباشرة، يصلح فقط للدول التي تمتلك إمكانيات الشراء الفوري للعقار، وتستطيع أن تحجز لها مكانا قبل غيرها على قائمة الانتظار· ويذكر في هذا السياق أن هناك 40 دولة تقريبا، قد قامت بتقديم طلبات لشراء العقار من شركة ''روش''، بيد أن مثل هذه الطلبات قد لا تستطيع الشركة توريدها·
فإذا ما افترضنا مثلا أن كل دولة من تلك الدول سوف تطلب كميات من هذا العقار تكفي لتوفير العلاج من المرض لخمس عدد سكانها كما هو الحال بالنسبة لفرنسا وإنجلترا، فإن الأمر سوف يتطلب من الشركة عشر سنوات كاملة على الأقل لتوريد تلك الكميات·
والولايات المتحدة لم تنجح في حجز مكان متقدم لها على قائمة الانتظار، فعلى رغم أن الحكومة الأميركية بدأت في تخزين كميات من هذا العقار منذ أسابيع، وقامت بطلب كميات منه ومن عقار آخر يطلق عليه اسم ''ريلينزا''، إلا أن الكميات المخزنة لديها لا تكفي سوى لعلاج 1,5 في المئة فقط من سكانها في حالة أي انتشار وبائي للمرض·
وفي الأسبوع الماضي قامت إدارة بوش- بعد تأخير طويل- بتقديم مقترح لمواجهة مرض أنفلونزا الطيور، يقوم على توفير عقاقير تكفي لخمسة وسبعين مليون مواطن أميركي· ولكن هذا الاقتراح سوف يخضع كما هي العادة لمناقشات مطولة في الكونجرس من أجل تخصيص الاعتمادات المالية اللازمة لشرائه·
والحقيقة أن الولايات المتحدة لن تكون لديها كميات تذكر من عقار ''تاميفلو'' خلال الشهور القادمة· وإذا ما افترضنا أن الحكومة الفيدرالية وحكومة الولايات ولجان الكونغرس، قد نجحت في حل المنازعات القائمة خلال مدة وجيزة، فإن أميركا لن تستطيع الوصول إلى المستوى الحالي لكل من فرنسا وبريطانيا قبل حلول عام ·2007
وهذه الحقيقة تجعلنا نقول إن جهود الولايات المتحدة في التنافس مع الدول الأخرى في الحصول على عقار ''تاميفلو'' قد باءت بالفشل· ولا يرجع هذا إلى أن أميركا لا تريد أن تقوم بما قامت به بعض الدول الأخرى التي أعلنت عن تصنيع العقار، ولن تعبأ بحقوق الملكية الفكرية، كما لا يرجع أيضا إلى حقيقة أنها تحاول أن تجعل من نفسها نموذجا يحتذى به في احترام تلك الحقوق، لأن الحقيقة هي أنها قامت بممارسة ضغوط شديدة على شركة ''روش'' لفتح فرع إنتاجي جديد لها في الولايات المتحدة، وكان ظاهرا من شدة الضغوط التي وصلت إلى حد البلطجة، أن الإدارة كانت على استعداد لانتهاك حقوق الملكية الخاصة بالشركة لو أن الأخيرة رفضت الاستجابة لمطالبها·
ولم يقف الأمر عند هذا الحد حيث وجه السيناتور تشك شوم