يطرح في بعض المنتديات الحديث حول المواطن الباحث عن عمل، والمتصف بـ(الدلال والدلع)، والذي لا يقبل العمل في أي وظيفة (منّي والدرب)، فهو لا يريد العمل إلا في القطاع الحكومي ولا يرضى براتب أقل من أقرانه، ويرفض العمل في القطاع الخاص لما فيه من تلاعبات بحقوق العاملين·
هذا في وقت يعاني سوق العمل في الدولة من ضيق ذات اليد في توفير الوظيفة اللائقة بالمستوى المعيشي والاقتصادي لمجتمع الإمارات، ولن يستطيع الفرد الذي يقل راتبه عن عشرة آلاف درهم شهريا ممارسة حياته الطبيعية، لأن مستوى الحياة في الدولة آخذ في الصعود وهو ما يتحتم معه النظر جليا إلى سلم الرواتب بما يتوافق مع نمو المسيرة الاقتصادية والاجتماعية التي تتسم بالطفرات التي لم تخطر على بال الكثيرين·
مطلوب من المواطن الباحث عن عمل في هذه المرحلة الرضوخ لآلية السوق غير المنضبطة بأي معيار اقتصادي في تنافسية غير عادية بكل المقاييس التي تلقي بالمسؤولية على الاقتصاد الحر·
تعالوا بنا إلى أرقام فرص التوظيف الحقيقية التي توضع بين يدي العامل الوافد على طبق من ذهب قبل أن تحط قدماه أرض الدولة؛ فوزارة العمل والشؤون الاجتماعية تصدر من 300 ألف إلى 500 ألف تأشيرة عمل سنويا مما ينفي تهمة البطالة عن العمالة الوافدة، بحيث يبقى الاتهام حصريا على المواطن فالبطالة إذا شأن محلي لا علاقة لها بأي وافد فتحنا له أبواب فرص التوظيف الفوري، فيما ترى المواطن الباحث عن عمل يضرب كفا بكف لسنوات حتى يجد الوظيفة المتاحة وليس شرطا أن تكون مناسبة لمؤهلاته العلمية أو تخصصه الدقيق، لأن موازين السوق لدينا تملي عليه التنازل عن كل مكتسباته من أجل القبول بالحد الأدنى·
والأدهى من ذلك أن المواطن (الدلّوع ) مطالب بأن يمر بدورات تدريبية تؤهله وتعزز من قدرته للتوظيف، ضاربا بعرض الحائط سنوات الدراسة التي أخذت من عمره من 12 إلى 16 عاما وهو في الصفوف الدراسية لإمداد سوق العمل بالعمالة المواطنة التي تفاجأ وتصدم بأنها غير لائقة إداريا ولا علميا للتعيين في أي وظيفة قبل الدخول في مجالات التأهيل والتدريب المسبقة، ورغم ذلك قد لا يكون هذا المواطن المدرب والمؤهل، وفقا لموازين سوق العمل الموسع، مقبولا لأنه قد لا يكون مميزا، لأن بعض أصحاب الأعمال يبحثون عن المميزين فقط وإلا فلا يتعب المرء نفسه ويلزم داره خير له من طرق الأبواب الموصدة لمن أتم شروط التوظيف كلها ومع ذلك الفرصة الوظيفية لا تحل قريبا من داره·
سوق العمل بالدولة يقبل توظيف نصف مليون عامل وافد بأثر رجعي دون أن يكون مطالبا بالتأهيل والتدريب المسبق، بل أكثر من ذلك فهو يقبل بوجود عشرات الآلاف من الأميين في صفوفها، أما المتعلمون من أبناء البلد وفقا لأنظمة التعليم الراقية بالدولة ليس لهم وزن تلك الأعداد الأمية إذا جاء وقت العمل الجاد·
وبعد جهد جهيد ودورات وتأهيل للمواطن الباحث عن العمل، يجب عليه القبول بالعمل ضعف ساعات الدوام الرسمية بالدولة وبراتب يقارب نصف الراتب المعروف وبأمان وظيفي متدنٍّ والتنازل عن مستقبله الوظيفي·· وكل ذلك من أجل إزالة تهمة (الدلع والدلال) عنه، فهل هناك منطق مقنع يسمح لبضعة آلاف من المواطنين الباحثين عن العمل لمنافسة قرابة نصف مليون عامل وافد سنويا يدخلون إلى سوق العمل في الدولة بوظائف جاهزة سلفا، وبمبرر أن ''دلع'' المواطن و''دلاله'' الزائد هو السبب الرئيسي لعدم تمكنه من أن يكون له موضع قدم في هذا السوق الهلامي·