جاء الانقلاب في الموقف الروسي إزاء ايران بمثابة آخر الطريق لدفع الرئيس محمود احمدي نجاد نحو إعادة مراجعة الحسابات في تشدده حيال الملف النووي واصراره على المضي قدما في انشطة تخصيب اليورانيوم·
فروسيا التي شكلت دائما نقطة الحسم في منع اي إجراء تصعيدي ضد ايران اختارت بالأمس وعلى لسان وزير الخارجية سيرجي لافروف وحدة الموقف مع الجانب الاوروبي، وهو الأمر الذي يعني دعم الترويكا الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا) في اصرارها على ربط أي مفاوضات مع طهران بتجميدها مسبقا أنشطة التخصيب المثيرة للقلق وتنفيذ القرار الصادر عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا الشأن في سبتمبر الماضي·
حتى الآن تصمم ايران على إرسال إشارات متضاربة حول موقفها فهي تارة ترسل برسائل الى ''الترويكا'' بأنها تريد استئناف المفاوضات ثم تنسف هذه الرسائل بشروط المضي قدما في عمليات التخصيب على اعتبار أنها أوقفتها بمحض إرادتها، وتارة تقول إنها مستعدة للمفاوضات بلا شروط ثم تشترط أن تكون هذه المفاوضات على أساس مقترحاتها· وتارة أخرى تلجأ الى إثارة حساسية الغرب بالتحدث عن محو اسرائيل من الخارطة ثم تعود بعد أن ترتفع الأصوات مستنكرة ومتوعدة بالإعلان عن أنها ستقدم مقترحا الى الأمم المتحدة لحل النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي!·
واذا كان الرهان الإيراني دائما على الإحباط الروسي لأي خطوة تصعيدية يتخذها الغرب ضدها، فإنه حان الآن وقت التفكير جديا بمدى الاتكال على هذا الرهان، لا سيما وأن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أعلن من موسكو وباسم ''الترويكا'' أن إحالة الملف النووي الى مجلس الامن الدولي ما زال خيارا إذا استمرت طهران بانتهاك الالتزامات الدولية بشأن أنشطتها النووية·
لكن هل تلتزم ايران بالمطالب الدولية أم لا؟· الإجابة على السؤال كان يفترض ان تحسب بهدوء لكن على العكس جاءت سريعة وتصعيدية ومبهمة أيضا عبر الممثل الايراني لدى وكالة الطاقة الذي حذر من انعكاسات غير متوقعة إزاء إحالة الملف النووي الى مجلس الامن ثم جدد التزام بلاده بالحوار والتفاوض لتجنب المواجهة·
إن التخبط الايراني في تحديد موقف واضح وصريح لا يبدو مبشرا، فالمطلوب حسم الاتجاه إما المفاوضات مع ''الترويكا'' على أسس تدفع باتجاه إيجاد مخرج مرض للجميع، وإما الإصرار على موقف اللاموقف وبالتالي منح الغرب الحجة لإحالة الملف الى مجلس الامن والدفع بالمنطقة الى حالة من التوتر لا أحد يريدها··الموقف الروسي بالأمس كان واضحا فهل يكون التعقل الإيراني بنفس الوضوح؟