أيام الأعياد الدينية هي مناسبة يستقبلها المسلمون بالفرح والسرور، ويحتفون بها استكمالاً لشعائرهم الدينية بكل ما يستطيعون·· وبالنسبة للمسلمين الفرنسيين فإن أيام عيد الفطر المبارك الأخير، كانت بلاشك أياماً لم تشهد فرحاً ولا سروراً·· كانت أياماً سادها الحزن وتفجر خلالها الغضب المكبوت الذي ظل يتراكم في النفوس عقوداً من الزمان، ليصبح الحالة الأشد قسوة ومرارة خلال العقد الأخير من هذا الزمان، والذي يصر ''العالم المتحضر'' على وصفه بعقد حقوق الإنسان والديمقراطية·
إن حادثة مقتل المراهقين المسلمين التي وقعت في فرنسا، وطغت أنباء ما تبعها من أحداث العنف والمصادمات والحرائق·· على مجمل التناول الإعلامي، لم تكن الحادثة الأولى التي كشفت مكامن الغضب وبذور العنصرية البغيضة التي يعيش في أجوائها مسلمو فرنسا وبخاصة الأجيال الحالية من أبناء المهاجرين من شمال أفريقيا (المغرب العربي الكبير) وأحفادهم منذ عقود زمنية عديدة·
ويمثل المسلمون ثاني أكبر كتلة سكانية في فرنسا، وهجرتهم التاريخية إلى هذا البلد العريق صنعها تاريخ ملتبس بين فرنسا - التي كانت تزعم أن الجزائر فرنسية- وبين بلدان المغرب العربي·· وبقدر ما جاهد وحاول كثيرون منهم -وقد قبلوا بواقع فرضه عليهم الزمن القاسي- أن يعيشوا كجزء حقيقي من جسم المجتمع الفرنسي الذي يفخر أهله بأنهم رواد المساواة والإخاء والحرية، فإن ذلك الداء العضال القابع أبداً في العقل والنفس - داء العنصرية البغيضة- لم يسمح لهم بأن يعيشوا الشعارات السابقة كواقع في حياتهم، لأنه مهما حاول الإنسان المسكون بالعنصرية والاستعلاء أن يبدو تقدمياً وإنسانياً، فإن الحقيقة هي اللحظة التي يكشفها معدنه العنصري والاستعلائي·· وإلا فكيف نفسر تلك العبارة التي وردت على لسان الوزير الفرنسي المسؤول عن اللاجئين والقضايا الاجتماعية والتي سجلتها كاميرات التلفزيون وتردد صداها في معظم القنوات، حينما وصف هؤلاء الشباب المحبطين والذين سيطر عليهم غضب عارم بأنهم ''حثالة'' بشرية، موجها موظفيه بقمعهم على النحو الذي رأينا جميعا قسوته؟! إن الرجل المسؤول الذي يصف بعضاً من مواطنيه بأنهم ''حثالة'' بشرية، إنما يعبر حقيقة عن نظرة وموقف تتبرأ منه وتنكره أغلبية الفرنسيين، ولكنه موقف يعبر عن تيار قائم وموجود بالفعل في المجتمع الفرنسي مهما حاول البعض إنكاره والتملص منه·
عندما ينظر المرء إلى خريطة المناطق التي اشتعلت فيها الحرائق وعمها الدخان الأسود، سيكتشف أنها أحياء الفقراء والمقهورين والعاطلين عن العمل الذين يعيشون في ظروف لا تليق بالإنسانية في بلد النور والذي هو واحد من أغنى بلدان العالم في وقتنا الحاضر، كما عبّر عن ذلك نائب شجاع في الجمعية الوطنية الفرنسية·· والذين يبحثون عن الأسباب الحقيقية لغضب وعنف الشباب الفرنسي المسلم، عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة هناك على أرض الواقع، حيث يعيش مواطنون فرنسيون تحت قهر ظروف وحياة لا تليق بإنسانية فرنسا؛ موطن الإخاء والمساواة والحرية والعدل·· والإنسانية أيضا!