اتساق فكري مفقود
لا بد لمن يتابع مقالات جمال خاشقجي على هذه الصفحات، أن يدرك افتقادها إلى خيط فكري ناظم ومحدد، فعلاوة على استخدامه الغامض لمفاهيم مختلفة، فهو كثيرا ما وقع في لبس بيِّن أو بَنَى موقفه على معلومات ظنية أو محرفة أو غير دقيقة في الأغلب الأعم·
وقد دعتني إلى إبراز الملاحظ السابقة، قراءتي لمقاله الأخير ''ليس الحل في الليبرالية وإنما في الإسلام الصحيح''، والمنشورة على هذه الصفحات يوم السبت الماضي، حيث طالب بتحكيم الإسلام في أمور المجتمع والدنيا كلها، معتبرا أن التطرف سببه الابتعاد عن الدين أو الجهل به، إضافة إلى التطبيقات الليبرالية التي يرى أنها لا تقدم حلا في مواجهة المشكلات القائمة، وعلى رأسها التطرف، بل إن هذا الأخير قد يزداد حدة كلما زادت الجرعة الليبرالية التي يفرضها البعض على المجتمع، لينتهي من ذلك مباشرة إلى أنه في الإسلام وفي الشريعة الإسلامية تكمن كل الحلول لمشكلاتنا!
والحقيقة أن الرأي العام العربي في أغلبه قد لا يعارض مثل هذا الموقف بل ربما يؤيده، أما أنا هنا فلست بصدد تأييده أو تفنيده، لكن ما يهمني هو درجة اتساقه مع مواقف الكاتب برسم مقالاته السابقة! في إحدى هذه المقالات، يفتخر الكاتب بأنه درس الثورة الفرنسية والمكارثية عندما كان تلميذا في إحدى مدارس المدينة المنورة، معتبرا أن في ذلك إشارة إلى مظهر ليبرالي واضح ضمن المناخ العربي العام وفي تكوينه الثقافي هو شخصيا! فهل من حرج إذن على من يمارس الليبرالية في مدينة الرسول، أن لا يمارسها في بقية أرجاء الفضاء الاجتماعي والسياسي؟! وهل نتيجة ذلك التكوين الليبرالي المبكر، هي أن يعترض الكاتب على استلهام الفلسفة الليبرالية في مجتمعنا؟
وفي مقال آخر يتحدث الكاتب عن صراع مبكر بين ''الإخوان'' و''السلف''، قائلا إنه كان شاهدا على أحد فصوله بين قيادات ''القاعدة'' الحاليين من جهة وبين عبد الله عزام كممثل لفكر ''الإخوان'' من جهة أخرى، ونجد خاشقجي في ذلك المقال ينتصر بلا مواربة لعزام ولتياره الفكري، لكنه يفاجئنا مرة أخرى في مقاله الأخير الذي خصص أزيد من نصفه لذم ''الإخوان''، محملا إياهم دم النقراشي باشا، ومعتبرا أنهم من أرسى تقليد الاغتيال السياسي في العالم العربي!
خالد العنزي- الدمام