السماء تمطر نظريات منذ أحداث سبتمبر، فالجميع حمل مبضع الجراح وحاول أن يدّعي أنه صاحب الحل الأنجع في توصيف الحالة وعلاجها، والجميع ألقى التهمة على الدين، فحدث أن تم تخريب أوكار الأئمة ومشايخ الدين، وكان أن تمسح البعض بمسوح التسامح وادعاء أنه غير ملتزم بتعاليم الدين·· وحاول البعض الاتجاه نحو عكس التيار والغرق في حكايات الإرهاب والتعاطي الإيجابي معها·
والملفت أن الكثير من المفكرين تنادوا بضرورة الاعتدال في الدين وعدم الغلوّ فيه، بمعنى أن المشكلة جلها انحصرت في الدين دون النظر إلى أية تفاصيل أخرى!
لكن السؤال الأهم والذي يخجل البعض من طرحه أو مجرد التفكير فيه: من أين جاءت هذه الأفكار الدموية؟ وهل التشدد في تطبيق تعاليم الدين تعني وتستوجب الإيمان المطلق بمثل هذه التنظيمات التي بنت فكراً راديكالياً غير واضح المعالم؟
القليلون جداً انتبهوا إلى أن الإنسان المسلم ليس إرهابي النشأة ولا حتى معنيا بالدماء أو مهووسا بها كما قد تصوره وسائل الإعلام الأميركية·
الأمر برمته متعلق بالإنسان وحقوقه البسيطة، فالأنظمة التي تعامل شعوبها على أنها قطيع، أنظمة موردة لفكر إرهابي مؤكد، والسلطة التي تصادر حق الناس في التفكير والحديث الحر المنعتق، بضوابط أمنية بالية، سلطة تؤسس لفكر إرهابي قادم وإن طال السفر·
والحاكم الذي يتعامل مع مواطنيه باعتبارهم بلا كرامة، أو إرادة أو حق، حاكم كتب على بوابة حكمه الفشل والقتل، إما انقلاباً أو انفجاراً، بشكل أو بآخر·
والصورة التي تحاول الأنظمة العربية إيصالها لدول الشمال، عن أنها من أنصار حقوق الإنسان، ما تزال مشوهة وإضاءتها باهتة لدرجة العتمة·
والأهم من كل شيء احترام عقيدة المسلم التي من شأن المساس بها أن يحدث زلازل حتى وإن بدا السطح ساكناً وموغلاً في مخاوفه على الخبز والملح والماء· وربما كانت أعمال العنف التي تشهدها فرنسا هذه الأيام عبارة عن انفجار لحكايات تراكمت وكانت كلها تشتهي رفض الفرنسيين للمسلمين بشكل خاص·
هذه الشرارة المندلعة، والتي بدأت تتطاير نحو مدن أوروبية أخرى، ليست محصورة في أوروبا وحدها، فحتى الدول العربية التي لم تعد تعبأ بكرامة المسلم على أرضها، عليها الآن أن تتورع كي لا تصلها هذه الأعمال التي ستكون أشد ضراوة وعنفاً، لأن سلطات العالم الإسلامي ليست لديها أية حجة أو مبرر لتمارسه بحق الدين أولاً وآخراً·
قراءة التاريخ والمستقبل تستوجب الانتباه لمثل هذه التداعيات، فالإرهاب ليس نبتاً شيطانياً قادماً من فراغ، إنه قادم من تحت خطوط الاضطهاد واستلاب الحقوق ومصادرة الدين واختزاله إلى شكل عبادي بسيط·
ربما كنا أمة لا تقرأ·· وربما هنا تكمن الأزمة الحقيقية·· الجهل بما كان والغرور باستحالة ما سيأتي، رغم أن الفتنة تقف على باب وتنتظر فقط من يطلق سراحها من قمقم الولاء المتآكل لنظم سبقها الزمن، ونالت فرصتها في التضييق على شعوب عظيمة التاريخ والكرامة والمستقبل·
وحتى تفهم هذه الأنظمة حقيقة الوضع، عليها أن تفتح النوافذ والأبواب للأنفاس المكتومة، لتضمن ولاء حقيقياً سيقف معها على طول الخط، ضد العنف والغضب وانفجارات لا تحتملها أسقف سماواتنا الغائمة·